البيان المستقبلي والبيان ما بعد المستقبلي - فيليبو تومازو مارينيتي وفرانكو بيفو براردي
ترجمة: حسين الحاج
نوفمبر 2018
 يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه. 
  
***
 
منذ أكثر من مائة عام، أصدر مارينيتي بيان الحركة المستقبلية، البيان الذي أكد على القيمة الجمالية للسرعة، وبعد مائة عام من صدوره، كانت السرعة قد انتقلت كلية من عالم تكنولوجيا اﻵﻻت إلى مجال تكنولوجيا المعلومات، فسُمي عصرنا بعصر السرعة. هذه القفزة النوعية عَنَت تقدمًا استثنائيًا نحو المستقبل بالنسبة لكثيرين، لكن بالنسبة إلى آخرين مثل فرانكو (بيفو) براردي فهو يرى أنه لم يكن اﻹسراع إلى المستقبل هو طريقة الوصول إليه، وأن الحركة التي وَثِقَت في المستقبل كثيرًا وغنت ليوتوبيا التنقية والسرعة لم تنتج سوى ديستوبيا الفاشية اﻹيطالية والشيوعية الشمولية الروسية الرجعيتين، وكتب بيانه ردًا على مارينيتي . لا يمكن لنا اﻵن قراءة أيًا من البيانين دون قراءة اﻵخر.
 حسين الحاج
  
*** 
كلمة فرانكو بيفو براردي* من خاتمة كتاب (ما بعد المستقبل - 2009)
نشر فيليبّو تومازو مارينيتّي منذ مائة عام المانيفستو الذي قدَّم إلينا القرن الذي جعلنا نؤمن في المستقبل. يبين المانيفستو اﻷول آلة الجسد الجماعي للجنس البشري. تلك اﻵلة التي بلغت ذروة نشاطها مع توحيد الشبكة العالمية وتم الانقلاب ضدها في أعقاب اﻷزمة المالية المؤسسة على الدَين والوعود الاقتصادية المستقبلية. لقد انقضت تلك الوعود اﻵن وها قد بدأ عصر ما بعد المستقبل.
 ***
  
البيان المستقبلي (فيليبّو تومازو مارينيتّي* - فبراير 1909(
1- نريد الغناء لحب الخطر وروح النشاط والجسارة المندفعة.
2- ستصبح الشجاعة واﻹقدام والتمرد العناصر الجوهرية لشعرنا.
3-لم يعبِّر الشعر حتى يومنا هذا إلا عن الأشياء الخامدة والاستسلام للملذات. أما نحن فسوف نمجد الحركة المغامِرة والأرق المحموم والخطوات الوثَّابة واللكمات والصفعات.
4- سنعلن على الملأ أن سحر العالم قد ازدان بجمال من نوع جديد، ألا وهو جمال السرعة. فسيارة السباق التي تتحلى بمواسير كبرى تشبه الثعابين النفاثة والمحرك الهادر الذي يدور مثل قذائف البندقية اﻵلية أجمل من تمثال النصر المجنح من ساموثراس.
5- نريد أن نشدو باﻹنسان مسيِِّر التروس الذي يرشق رمحًا من روحه عبر اﻷرض في اتجاه حركة مدارها.
6- يجب أن يبذل الشاعر لنفسه الغيرة والفخامة والبذخ من أجل أن يزكي حرارة العناصر الفطرية الحماسية.
7- لا وجود للجمال إلا في الصراعات، وليس هناك تحفة فنية بدون وجود للطبيعة العدوانية. يجب أن يكون الشعر هجومًا عنيفًا على قوى المجهول من أجل إخضاعها للانحناء أمام اﻹنسان.
8- نقف على رأس القرون اﻷخيرة! فلماذا علينا أن ننظر خلفنا بينما ما نريده هو كسر المغالق الغامضة للمستحيل؟ لقد قضى الزمان والمكان نحبهما يوم أمس ونحن نعيش اﻵن في عصر المطلق ﻷننا صنعنا السرعة اﻷبدية والمحيطة بكل شيء.
9-  سنمجد الحرب -عافية العالم- والروح العسكرية، والوطنية، والروح التخريبية للأناركيين، والأفكار الجميلة التي يستشهد في سبيلها الرجال.. أما المرأة فسوف تكون موضع احتقارنا.
10-سنهدم المتاحف، والمكتبات والأكاديميات من كل نوع ونكافح ضد الأخلاقية، والنسوية، وكل المخازي النفعية الانتهازية.
11-سنغني عن الجموع العظيمة المتحمسة للعمل والمتعة والشغب، وموجات الثورات المتعددة اﻷلوان والمنوعة النغمات في العواصم الحديثة، كما عن الحماسة الليلية المتوقدة للترسانات والورش تحت اﻷقمار الكهربية العنيفة، ومحطات القطارات الجشعة، والمصانع المعلقة فوق السحاب بخيوط دخانها المتلوية، والجسور التي تعبر اﻷنهار المتلألئة في الشمس مثل قفزات أبطال ألعاب القوى، والمحركات البخارية التي تستشرف اﻵفاق، والقاطرات الهائلة التي تضرب عجلاتها القضبان مثل حوافر أحصنة حديدية ضخمة، والطيران السلس للطائرات التي تخفق أجنحتها في الريح مثل اﻷعلام فتبدو وكأنها تحيِّي الجموع المتحمسة.
 ***
البيان ما بعد المستقبلي (فرانكو بيفو براردي** - فبراير 2009(
  
1-نريد الغناء لخطر الحب والخَلْق اليومي للطاقة العذبة التي لا تتبدد أبدًا.
2-ستصبح السخرية والرقة والتمرد العناصر الجوهرية لشعرنا.
3- لقد مَجَّدَت اﻷيدولوجيا وفن اﻹعلان الارتقاء الدائم للطاقات اﻹنتاجية والعصبية للجنس البشري نحو الربح والحرب. ونحن نريد أن نمجد اللطف والنوم والنشوة وتدبير الحاجات ومتعة الحواس.
4-نعلن أن سحر العالم قد ازدان بجمال من نوع جديد، ألا وهو جمال الاستقلال. لكل بحسب إيقاعه، لقد فقدت السيارات مذاق ندرتها وفوق ذلك لن تستطيع تأدية المهمة التي صنعت من أجلها بعد اﻵن، ﻷنه تم إبطاء السرعة، فأصبحت السيارات معطلة مثل السلاحف الهاجعة الغبية في زحام المدينة. وحده البطء هو السرعة.
5- نريد أن نغني للرجل والمرأة اللذين يتعانقان كي يتعرف كل منهما على اﻵخر بصورة أفضل وكذلك يتعرفان على العالم أيضًا.
6- يجب أن يمد الشاعر نفسه بالدفء والبذل كي يزيد من قوة الذكاء الجمعي ويقلل من وقت العمل المأجور.
7- لا وجود للجمال إلا في الاستقلال، ولا يمكن لعمل فني يفشل في التعبير عن ذكاء المُحتَمَل أن يكون تحفة فنية. وليس الشعر سوى جسر يعبر فوق هاوية العدم كي يسمح لمشاركة الخيالات المختلفة ويحرر الفرديات.
8- نقف على قمة رأس القرون.. ويجب علينا أن ننظر خلفنا كي نتذكر هاوية العنف والرعب التي تستطيع العدوانية العسكرية والجهل القومي أن تقذفنا فيه في أي لحظة. لقد عشنا ردحًا طويلًا في ظل الزمن الراكد للدين. والسرعة اﻷبدية والمحيطة بكل شيء خلفنا اﻵن، في عالم اﻹنترنت، حيث يمكننا أن ننسى قافيتها المدغمة ونجد إيقاعنا المتفرد.
9- نريد أن نسخر من أولئك الحمقى الذين يروجون لخطاب الحرب، المهووسين بالتنافس وباﻵلهة ذوي اللحى مرتكبي المذابح والمرتعدين من أنثويتنا المتفتحة فينا جميعًا.
10- نطالب بتحويل الفن إلى قوة مغيّرة للحياة ونسعى إلى إلغاء الفصل بين الشعر واﻹعلام من أجل أن نستعيد قوة الوسيط من التجار وأن نعيدها إلى الشعراء والحكماء.
11-  سنغني عن الجموع التي يمكن أن تحرر نفسها أخيرًا من ربقة عبودية اﻷجر من خلال التمرد التضامني ضد الاستغلال، وعن الشبكة اللانهائية للمعرفة والابتكار، والتكنولوجيا المعنوية التي تحررنا من المشقة المادية، كما سنغني عن العاملة في المجال المعرفي المتمردة التي تظل متصلة بجسدها، سنغني من أجل لانهائية الحاضر ونهجر وهم المستقبل.
 ***
  
  
*فليبي تومازو إميليو مارينيتي ولد في 22 ديسمبر 1876 وتوفي في 2 ديسمبر 1944، كان شاعرًا وأديبًا وهو من أوجَد الحركة المستقبلية في الفن والموسيقى والأدب في أوائل القرن العشرين وتميزت بالدعوة إلى طرح التقليد جانبًا ومحاولة التعبير عن الطاقة الدينامية المميزة لحياتنا المعاصرة. 
  
**فرانكو بيفو براردي ناشط ماركسي إيطالي ولد في 2 نوفمبر 1949، يعتبر أحد أهم منظري التيار المستقل داخل الماركسية وتركز أعماله على دور اﻹعلام وتكنولوجيا المعلومات في تشكيل الرأسمالية النيوليبرالية.