الرواية أقدم بقرون مما قيل لنا
 
مقال لستيفن مور* 
عن الجارديان، 23 يوليو 2010
*ستيفن مور مؤلف كتاب «الرواية تاريخ مغاير» عن دار نشر كونتينيوم
 
ترجمة: حسين الحاج
أكتوبر 2018
 
يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه. 
 
 
***
 
صمويل ريتشاردسون

 

لقد ضللني المشرفون على رسالتي، هكذا كان سيقول بيرتي ووستر.[1] دفعوني أثناء سنوات الدراسة الجامعية في مطلع السبعينيات للاعتقاد أن الرواية نشأت في إنجلترا في القرن الثامن عشر الميلادي، ولم يقل أي أستاذ شيئًا مخالفًا حتى شرعت في نيل درجة الدكتوراه في الثمانينيات. ذُكرت رواية «روبنسون كروزو» لدانيال ديفو في بعض اﻷحيان بصفتها نموذجًا بدائيًا من فن الرواية، لكن طبقًا للمسلمات الأدبية فإن الرواية اختبرت ولادة عذرية مع صدور الرواية الرسائلية «باميلا» لصمويل ريتشاردسون في عام 1740. لكن خارج جدران اﻷكاديمية، في الفصول البديلة المسماة بمتاجر الكتب، ظللت أصادف كتبًا تشبه الرواية بالتأكيد لكنها سبقت «باميلا» بوضوح. لم تكن قصة «جن السيدة موراساكي»، الرواية المكتوبة حوالي 1010، وحدها التي صادفت، بل أيضًا قصة «السيدة أوشيكوبو»، الرواية اﻷقصر التي كُتبت قبل اﻷولى بعقود قليلة. التقطتُ أيضًا نسخة دار «إيفري مان» من قصة «بيرنت نجال»، الرواية اﻷيسلاندية من القرن الثالث عشر التي صُنفت باعتبارها «ملحمة» لكنها بدت أقرب للرواية الواقعية، وصادفت روايات صينية متعددة اﻷجزاء من عصر حكم مينج مثل رواية «اللوتس الذهبي» شديدة الواقعية التي عاصرت زمن شكسبير. وقرأت كتاب «الربة البيضاء» لروبرت جريفس وتحيرت بإشارته إلى رواية تدعى «الاعترافات» التي تعود إلى القرن الرابع، هل كانت هناك روايات في القرن الرابع؟ 

كما صادفت أيضًا أعمالًا روائية لم تشبه الروايات التقليدية في شيء لكنها ذكرتني بتلك الروايات غير التقليدية والتجريبية التي كنت أقرأها في ذلك الوقت. تشبه «الحمار الذهبي» لأبوليوس (المكتوبة حوالي 160 ميلادية) ما قد يكتبه جون بارث، بينما تشبه «ساتيريكون» لبترونيوس (المكتوبة قبل قرن من الرواية السابقة) رواية توماس بينشون، تشبه جارجانتوا وبانتاجرويل لفرانسوا رابليه من القرن السادس عشر أي عدد من الرواية الرابلية اﻷخرى من القرن العشرين بدءًا بـ «عوليس» لجيمس جويس وحتى رواية جلبرت سورينتينو «حساء موليجان».

ما لفت انتباهي أن هناك مشكلة في الاصطلاح. ما يقصده أغلب الناس بالرواية هو الرواية التقليدية أو «الحديثة» أو «الواقعية»، لكنني أكثر اهتمامًا بالاسم من الصفات المكتسبة. فبينما أعتبر الرواية أي عمل خيالي يأخذ صورة الكتاب -وهذا تعريف يتبناه قاموس وبستر وإي. إم فورستر في كتاب «سمات الرواية»- يريد أغلب أساتذة اﻷدب أن يقيدوا مصطلح الرواية إلى الروايات الواقعية المصوغة في سياقات اجتماعية ثقافية محددة، خصوصًا تلك التي تسبر أغوار الطبيعة البشرية. بينما يقصي هذا التعريف قلة من العناوين المشار إليها سلفًا، ينطبق على أغلب الروايات اﻷخرى، فمثلًا تعتبر «قصة الجني» رواية واقعية تكشف عمقًا نفسيًا أكثر من أي رواية أوروبية قبل القرن العشرين. لكن لسوء الحظ، أطلق المحررون اﻷوائل على كثير من تلك الروايات المبكرة صنوف مثل «قصص رومانسية»، و«الملاحم»، و«المهازل»، و«الحكايات» و«القصص الشعبية» و«اﻷساطير» و«التصاوير» ومصطلحات أخرى، سمحت لأساتذة اﻷدب أن يتجاهلوها، أو ربما عليَّ القول إن هؤلاء الأساتذة كانوا على علم بها: أظن أن أغلب الأساتذة لم يسمعوا مطلقًا بقصة «السيدة أوشيكوبو» أو «اللوتس الذهبي»، إلى درجة أن مكانتيهما كروايتين لم تكونا محل تساؤل بالنسبة إليهم.

واظبت على التقاط نماذج أخرى من روايات ما قبل الحداثة، لكنني لم أقرر الكتابة عنها سوى مؤخرًا، في السنوات اﻷولى من إدارة بوش لذاكرة الشر، كانت هناك هجمات محافظة مضادة للروايات المبتكرة غير التقليدية التي أُحبها، حتى ولو حاول مبدعوها تخريب التقليد العظيم للرواية الذي بدأ مع رواية باميلا. لقد حسبوا جويس مهندس هذه الفوضى، وهاجموا مخربين آخرين مثل بارث، جاديس، بارثيلمي، دي ليلو. صعقتني تلك اﻵراء بصفتها رؤية لا يمكن ﻷحد أن يحملها سوى شخص جاهل بشكل بائس بتاريخ اﻷدب. كان جويس أول من انحرف بصعوبة عن هذا التقليد العظيم للرواية -أهلًا تريستام شاندي- وفعل أتباعه ما فعله دائمًا كل الروائيين المثيرين للاهتمام: المحافظة على «الرواية». ينطبق التعريف الضيق للرواية الذي فضله بعض النقاد على الحلقة اﻷكثر حداثة في تاريخ الرواية الطويل، الذي بدأ مع القصص السومرية والمصرية في القرن العشرين قبل الميلاد، وسوف تستمر في التحول إلى أشكال روائية ما دام هناك كُتَّاب. تصنيف الروايات الحديثة والتقليدية بأنها وحدها التي تستحق أن يطلق عليها اسم «الرواية» شيء قصير النظر ومحلي وغير متسق تاريخيًا.

بينما تخصصتُ في الرواية المعاصرة، أسرتني الروايات القديمة، وكنت حانقًا على النقاد المعاصرين إلى درجة محاولة كتابة تاريخ كامل للفن الروائي مع اعتبار خاص للروايات المبتكرة. اكتشفت أنها أكثر مما توقعت، ﻷنها مألوفة للمتخصصين الذين نادرًا ما يتواصلون مع الجمهور العام. فكرت أنه إذا استطعت أن أنشر حقيقة تلك الروايات المبكرة بين الأساتذة والقراء العاديين، فربما ينتج عن ذلك تقبل أكثر للكتاب الطليعيين مع تقدير أكبر لتنوع لا محدود ﻷكثر أنواع اﻷدب شهرة وإساءة للفهم. في الأغلب لن يحدث ذلك، لكنني فكرت في المحاولة.

[1]  بيرتي ووستر هو بطل المسلسل الدرامي الكوميدي البريطاني جيفيز ووستر المعروض في النصف اﻷول من التسعينيات والذي أدى دوره الممثل البريطاني هيو لوري.