حوار مع ف. س نايبول عن الربيع العربي والكُتَّاب الذين يزدريهم والكتب التي لن يكتبها
حوار آيزاك شوتينر
نُشر في مجلة نيو ريبابليك، 7 ديسمبر 2012
ترجمة: أمير زكي
سبتمبر 2018
خاص بـ Boring Books*
*يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.
***
«كان الأمر كارثيًا بالنسبة لي، أشعر بالحزن الشديد». يتحدث سير ف.س نايبول عن قطه الميت. كنا نجلس في شقة واسعة من طابقين بلندن، تحديدًا في كنسنجتون، حيث يقيم الكاتب وزوجته الثانية المُرحبة ناديرا، حين لا يكونان في مسكنهما الريفي بوِلتشاير. يقول: «بعد موت أوجوستوس، أردت أن أقضي وقتًا أطول في لندن»، يتناول ببطء الوجبة التي قدمتها له ناديرا. «وجودي في ولتشاير يؤلمني للغاية. أفكر هناك في أوجوستوس. كان يمثل مجموع تجاربي. كان يحمل نظرتي وأسلوب حياتي».

نايبول، الذي حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2001، معروف بما وصفه به أحد المعلقين: «الصراحة المرعبة»، ولكنه غير معروف بحساسيته. بينما كانت زوجته الأولى باتريشيا هيل تصارع سرطان الثدي، تركها نايبول لفترات طويلة، وخاض علاقات جادة مع نساء أخريات. حينما زالت عن هيل أثار المرض مؤقتًا، في عام 1994، اعترف نايبول بزياراته السابقة للعاهرات في مقابلة مع النيويوركر. قال لكاتب سيرته الرسمي باتريك فرينش: «أظن أنها عانت من الانتكاسات بعد هذا الحوار، وعاودها المرض». وبعد سنتين من موتها قال: «يمكن القول إنني قتلتها، يمكن قول ذلك. يراودني قليلًا هذا الشعور». بعد إحراق جثمانها، دعا نايبول ناديرا، الصحفية الباكستانية، لتنتقل إلى منزل ويلتشاير الذي كان يعيش فيه مع هيل.

يكمل نايبول حديثه: «لا بد أن أشكر ناديرا لأنها أدخلت أوجوستوس إلى حياتي». كان الإحباط واضحًا عليه، سألته متى توفى القط؟ أجاب: «سبتمبر الماضي». كنا في الأول من أكتوبر، قلت له الجملة الكليشيهية بأن الزمن يشفي كل الجروح، عاد وقال: «لا، لا، 26 سبتمبر الماضي»، وبدا أنه مصاب بجرح غائر. «منذ عام مضى. الجانب البشع في الأمر هو اقتراح الناس بأنه عليَّ أن أحصل على قط جديد، وأن أُدخل هذا القط الجديد إلى المنزل الذي عشت فيه مع أوجوستوس. وكأنه ينبغي أن أستبدله سريعًا جدًا. هذا يدل على نقص في الفهم».

من المستحيل أن تقرأ أعمال نايبول الهائلة بدون أن يكون مدخلك الرجل نفسه: سريع الغضب، محب للاستطلاع، ويعبر مظهره عن خلفيته الحياتية في تناغم تام. سعيت وراء سير فيديا، الذي بلغ الثمانين هذا العام، لأنه بدا أن كتاباته صارت مناسبة من جديد بعد الربيع العربي. معظم كتبه دارت في مجتمعات ما بعد استعمارية، بداية من أفريقيا مرورًا بأمريكا الجنوبية وحتى إيران وباكستان. في الوقت الذي احتفى به العديد من الناس بنهاية عصر الإمبراطورية، عبَّر نايبول، الذي وُلد في ترينداد، عن تشككه في الثورات والتغييرات الاجتماعية، وأضفى ذلك عليه سمعة المتشائم والمستبصر. من مضمون كتاباته نعرف سمات الفضول السخي تجاه حياة الناس العاديين والرؤية السوداوية للمجتمعات التي يعيشون فيها.

في بعض الأوقات، أثارت آراء نايبول الجدل، من تعليقاته السابقة عن الإسلام («ربما لم تكن هناك إمبريالية بقدر إمبريالية الإسلام والعرب») إلى حكمه على الكاتبات النساء («حين أقرأ عملًا ما أعرف من خلال فقرة أو اثنتين إذا كان الكاتب امرأة أم رجلًا. أظن أن مستواهن أقل مني»). انتقل حوارنا من وضع العالم الإسلامي إلى كراهيته للأدب الإنجليزي ولامبالاته تجاه الرئيس باراك أوباما. حضرت ناديرا معظم الحوار: يبدو حزينًا حين تختفي، حتى ولو لوقت قصير، يستمع إلى تدخلها في الحوار بإعجاب يصل إلى حد التوقير.

إيزاك شوتينر: هل تكتب شيئًا الآن؟

فيديا نايبول: أنا متقدم جدًا في العمر (يضحك).

شوتينر: إذن لا كتب أخرى؟

نايبول: حين تكون في الثمانين لا يكون لديك الكثير لتقوله، هل تعرف أي كُتَّاب في الثمانين؟

شوتينر: لا، لا أعتقد.

نايبول: بالضبط. كيف يمكن أن يكتب شخصًا في هذا العمر. إذا بدأ رجل الكتابة في الثلاثين، فحين يصل للخمسين أو الستين يكون قد أنجز مجموع أعماله. حين يصل للثمانين لا يكون لديه المزيد، أتعرف ذلك؟

شوتينر: ومع ذلك كتبت عددًا من كتبك بعد عمر الستين.

نايبول: نعم نعم، كان عليَّ ذلك، كانت هناك أشياء أود قولها.

شوتينر: مارتن آميس قال إنه عندما عاد ليقرأ أعماله المبكرة، وجد فيها طاقة غابت عن أعماله اللاحقة، ولكنه قال أيضًا إنه من جهة الشكل، هو يظن أن أعماله اللاحقة أقوى، على مستوى الجملة.

نايبول: من قال هذا؟

شوتينر: مارتن آميس.

نايبول: أوه، مارتن أميس.

شوتينر: هو في الستين ونيف فحسب.

نايبول: صغير السن للغاية.

شوتينر: ما رأيك في الربيع العربي؟ هل تراه رجعيًا حتمًا، أو حركة غير ليبرالية، أم تشعر بالأمل تجاهه؟

نايبول: لا يراودني الأمل تجاهه على الإطلاق. أعتقد أنه لا يمثل شيئًا. لقد رأيت كيف انتهى في ليبيا، أدى إلى نوع من الفوضى كما تعلم، وهذا سيحدث في الأماكن الأخرى أيضًا.

ناديرا نايبول: (إلى إيزاك شوتينر) أعرف الآن لم يظن زوجي أنه التقاك من قبل.

نايبول: ربما هذه هي ميزتك العظمى، أن يظن الناس أنهم يعرفونك.

شوتينر: كنت تقول إنه ليس لديك أمل حيال الربيع العربي.

نايبول: لم أقل ذلك. لقد سألتني إن كنت أظن أنه شيء عظيم، وأنا أظن أنه في الحقيقة لا شيء، سيأتي ويمضي، وسنعود للنقطة التي بدأنا منها.

شوتينر: وما النقطة التي بدأنا منها؟

نايبول: الفوضى، حكم الرجل الواحد، كما تنتهي هذه الأشياء عادة في العالم الإسلامي.

شوتينر: ألا توجد مناطق في العالم الإسلامي تشعر بتفاؤل أكبر حيالها.

نايبول: لا أظن أن مصطلحات التفاؤل والتشاؤم مناسبة... يراقب المرء الوضع فحسب. لقد أحببت إندونيسيا كثيرًا حين توجهت إليها (عام 1980). حضارة في غاية الجاذبية، وتفاهمت كثيرًا مع من قابلتهم. ولكن منذ تلك الزيارة، صاروا أكثر تدينًا، مهتمين أكثر بالإسلام، وهذا جذبهم للوراء قليلًا.

شوتينر: لا تعتبر نفسك مؤمنًا متدينًا، هل هذا صحيح.

نايبول: لست متدينًا، لا.

شوتينر: هل تهتم بالإلحاد.

نايبول: أوه، لا. لا أهتم به. كيف يمكنك أن تكون ملحدًا ويكون لديك أيدولوجيا موازية للإلحاد؟ أن تكون ملحدًا يعني أن تتحرر من بعض جوانب الإيمان. ولا أعرف كيف يمكن لهذا أن يتحول إلى أيدولوجيا. هل تفهم ما أقول؟... أين ناديرا؟ لقد ذهبت مجددًا؟

شوتينر: هل تريد أن أحضر لك شيئًا.

نايبول: لا، لا، أريدها أن تكون بجانبي، تمنعني من قول أشياء خبيثة. (يضحك).

شوتينر: كنت أتساءل عن رأيك في الرئيس (الأمريكي باراك أوباما). قصة حياته وخلفيته مثيرة للاهتمام – جنس مختلط، نشأ في بيئات مختلفة. هل فكرت في قصته ووجود تشابه بينكما.

نايبول: لا. إنه مختلف تمامًا عني.

شوتينر: أيوجد شيء يثير اهتمامك فيه؟

نايبول: ليس بالضبط. لا أحب الطريقة التي يتحدث بها.. لا أحب.. (يتنهد) لقد سمعت الكثير عنه إلى الآن. لا أريد أن أتورط في السياسة الأمريكية.

شوتينر: لقد تحدثت عن أنك جئت من مكان «يخلو من المرجعية». ما شعورك بأنك صرت جزءًا من المرجعية الأدبية.

نايبول: لا أشعر بذلك.

شوتينر: لا تشعر بأنك جزء من المرجعية الأدبية؟

نايبول: لا، أعتقد أن الأمر متعلق بما قلته في رسالتك لنا وعما تريد أن تكتب عنه. لقد جئت بأفكار راسخة وتطبقها عليَّ، بدلًا من معرفة حقيقة الوضع وما هي ردود أفعالي.

شوتينر: حسنًا، هل يمكنني أن أسألك عن أبيك؟

نايبول: هذا يعتمد على نوع السؤال.

شوتينر: في أحد مقالاتك، تحدثت عن أبيك، لقد كان عضوًا في حركة إصلاحية تهتم بمسائل الهندوسية والطبقات الدينية. لم يكن دافعه ثوريًا، ولكنه أراد أن يُحدث تغييرًا. هل شعرت في أي وقت بنفس الدافع.

نايبول: هذه مبالغة بالمقارنة بما شعر به أبي حقًا. كانت أفكاره حيال الأشياء بسيطة جدًا. لم يكن ثوريًا ولا إصلاحيًا، اهتم بالإصلاح قليلًا في البداية ولكن ليس بعد ذلك، حين صار كاتبًا.

شوتينر: ألا يوجد شيء في رحلاتك أردت له الإصلاح أو كنت شغوفًا تجاهه؟

نايبول: لا أرتحل لأفكر بهذه الطريقة، لا، أُفَضِّل أكثر أن أراقب وأقول «هذه هي الطريقة التي يقضون بها الأمور هنا. هذه هي الطريقة التي يفكرون بها هنا». لا أريد الإصلاح. لا بد أن يأتي الإصلاح من الناس. لا يمكن فرضه عليهم.

شوتينر: قلت إنك سافرت إلى أماكن متصلة بشكل ما بخلفيتك الحياتية. ألا يوجد مكان أردت السفر إليه ولم تحظ بالفرصة؟

نايبول: ليس بالضبط، لا، ذكرت السفر إلى أماكن متصلة بترينداد لأنها كانت بمثابة نقطة انطلاق لي، إلى درجة أنني حين كنت في الكونغو، كنت أشاهد الناس القادمين إلى كينشاسا بالقطار وأشعر أنني رأيت هؤلاء الناس من قبل، وأعرفهم إلى درجة ما. هذه هي حدود اهتمامي بخلفيتي الحياتية. إنها تفتح الأبواب لي. هل هذا كاف بالنسبة لك؟

شوتينر: كنت أشعر بالفضول، لأنك كتبت ثلاثة كتب عن الهند. هل لديك حس من الـ..

نايبول: لا أتابع أخبار الهند. لا أعرف عن الهند الآن.

شوتينر: بطريقة ما، يبدو أنها صارت بلدًا مختلفًا تمامًا عن البلد الذي كتبت عنه كتابك الأول (عام 1964).

نايبول: أتساءل إذا كان الأمر كذلك. أشك في إمكانية أن يتغير بلد كهذا سريعًا في خلال 40 عامًا. إنه البلد نفسه بسمات خرافية جديدة (يتوقف) ينبغي أن أسأل عن موقفك من كل هذا، لأنني ساعتها سأتفهم مصدر كل هذه الأسئلة.

شوتينر: ليكن، أنا في الثلاثين، جئت من كاليفورنيا. أنا معجب بأعمالك منذ زمن طويل، وظننت أنه أمر طيب أن أجيء وأتحدث معك.

نايبول: لتتحدث معي، نعم. أردت أن أعرف إذا كانت تراودك أفكار عن تغيير العالم والإصلاح وغير ذلك. دائمًا ما تدور أسئلتك حول مسألة إصلاح العالم.

شوتينر: أنت الذي تحاورني الآن... سبب اهتمامي بهذه الأسئلة هو أن كتاباتك مفعمة بأسئلة حول الإصلاح ورد الفعل على الإصلاح وإخفاق الثورات.

نايبول: نعم، نعم، نعم. سألت لأعرف موقفك. إذا كنت تحتفي بمسألة الربيع العربي وهذه الأشياء.

شوتينر: كنت أكثر تفاؤلًا قبل أن أقابلك. أنا أقل تفاؤلًا الآن.

نايبول: حسنًا حسنًا، دعنا نكمل.

شوتينر: أتساءل عما تقرأه الآن.

نايبول: أقرأ العديد من الأشياء. أقرأ لتزيد معرفتي بالعالم. أقرأ هذا الكاتب، توماس دي كوينزي، هنا (يشير إلى الكتاب). الشيء الآخر الذي أقرأه غير معتاد بالنسبة لي، رواية آل بودنبروك لتوماس مان. لقد أدهشتني

شوتينر: لم أدهشتك؟

نايبول: إنها تتسم بالحكمة. موهبة سردية رائعة. لغته رائعة. عندما يتحدث ينتقل من حال إلى حال. وأسلوبه مدهش على الدوام. كان عليه أن يتعامل مع مرض التيفود، الذي قتل إحدى شخصياته، فعل ذلك بشكل مبهر. يخترق دواخل الشخص الذي يعاني ويقول، هذا ما يحدث لمريض السرطان، لمريض التيفود. في مرحلة ما تصيح فيه الحياة. أسلوب كتابة في غاية الجمال. أشعر بالضعف لمحاولة وصفها. هي مؤثرة للغاية. لقد فتنتني.

شوتينر: هل هناك كتاب إنجليز أو بريطانيين تعود إليهم من آن إلى آخر.

نايبول: لا، لا، من تعود إليه؟

شوتينر: (جورج) أورويل. ب.ج. وودهاوس.

نايبول: لا أستطيع قراءة وودهاوس. يمكن القول إن فكرة قضاء ثلاثة أو أربعة أشهر من عدم قراءة شيء سوى روايات وودهاوس فكرة تملأ نفسي بالرعب.

شوتينر: ماذا عن جورج إليوت؟

نايبول: من الطفولة، كما تعلم، من الطفولة، قُرئ عليَّ القليل من (طاحونة على نهر فلوس). كانت مثيرة للاهتمام في ذلك الوقت. ولكن ذوقك يتغير مع تقدمك في العمر. لا أحبها ولا أحب الكتاب الإنجليز الكبار. لا أحب تشارلز ديكنز.

شوتينر: لا تحب الكتاب البريطانيين؟

ناديرا: يحب الشعراء، ولكن ليس النثر، يحب كتاب الأعمدة الصحفية أكثر من كتاب الروايات.

نايبول: لا أريد أن أحبطهم.

ناديرا: إنه يحبط الناس بدون مبرر.

شوتينر: كنت سأسأله عن تعليقاته عن جين أوستن.

ناديرا: يا إلهي، الجميع يكره جين أوستن. ولكن ليست لديهم الجرأة على التصريح بذلك صدقني. مَن قابلناه في ذلك اليوم؟ هذا الأكاديمي الشهير الذي قال إن كتابات جين أوستن زبالة؟ قلت له: «لم لا تتجرأ وتصرح بذلك» قال: «هل أنا مجنون». جميعهم أعادوا تقييمها، ولكن لا أحد يريد قول ذلك.

شوتينر: هل تود الاستفاضة في قول سبب عدم إعجابك بها؟ هل تعتقد أنها تافهة؟

نايبول: نعم، إنها في غاية التفاهة. القصة الرومانسية. إنها لا تؤثر فيَّ على الإطلاق. لا تقول لي شيئًا. إنها ليست كتوماس مان الذي يتحدث عن الموت. لديه طريقة خاصة في التعبير عن ذلك.

شوتينر: هل هناك كاتب معين يكتب حاليًا وتهتم به.

نايبول: أعتقد أن هذا هو الغرض من سؤالك منذ البداية،  ومفاده إنه لكي تكون قارئًا عليك أن تكون مطلعًا على الكتاب المعاصرين. كما أخبرتك، أنا أقرأ لأضيف لمعارفي في تاريخ الأدب. لن أقضي وقتًا طويلًا في قراءة الرواية بعد الأخرى فقط لأقول «لقد قرأت تلك الروايات». ما الذي تظنه فيما أقول؟ هل تعتقد أنني شخص تافه؟

شوتينر: لا بالتأكيد. أريد أن أسألك عن الكتابة. في أحد كتبك وصفت شخصية تتمتع بموهبة رؤية الضعفات في الناس. هل تعتقد أن هذا مفيد للكُتَّاب.

نايبول: كنت أتحدث عن نفسي في شبابي، أو في طفولتي تقريبًا، أفكر أن هذا هو ما كنت عليه، كنت أرى الضعفات لدى الناس. كنت صغيرًا للغاية، صغيرًا للغاية. لا أعرف إن كان هذا أمرًا طيبًا أم خبيثًا، هو فقط ما راودني.

شوتينر: ما شعورك حين كُتبت سيرة نقدية عنك؟ هل أغضبك هذا؟

نايبول: لا أريد الحديث عن هذا.

شوتينر: ككاتب، ما هي المكافأة الخارجية التي تشعر أنك حصلت عليها.

نايبول: فيما يتعلق بالكتابة، وأنا أتحدث عن نفسي هنا، ما يقدم لي اللذة الكبرى هو حين أبدأ كتابة عمل كبير وصعب –يمكن القول كتابة شيء مثل «بين المؤمنين» الذي يعتبر عملًا كبيرًا، وفي وقت مبكر جدًا، حين أبدأ في العمل يراودني شعور أنني أعرف إلى أين سينتهي، وأنني سأصل إلى مكان ما. هذا يقدم لي لذة عظيمة، أكون مفعمًا باللذة. الأمر كله متعلق بالكتابة المتصلة بكاتب يستبصر طريقه حتى النهاية في العمل المنغمس فيه. أما الأشياء المتعلقة بالناس التي تتجلى للمرء، لا تعني أي شيء، أليس كذلك؟ في العادة لا تعني شيئًا.

ناديرا: إنها تعني لك شيئًا. إنك تتأثر بها كثيرًا. خاصة حين يعرفك الناس في أفريقيا أو باكستان أو أي دولة أخرى في الدول الإسلامية ويبدأون في الصياح... في أوغندا، اقترب منك الناس وقالوا بصدق إنهم يشكرونك لأنك تهتم بهم، وبأنك على حق.

نايبول: لقد حصلت على إجابة طيبة من ناديرا.

ناديرا: أنا آسفة، لم يكن ينبغي أن أجيب.

شوتينر: لا، لا عليك.

نايبول: نعم، نعم، إجابة ناديرا، نعم.

شوتينر: لقد أهديت كتابك الأخير إلى ابنة ناديرا، التي تبنيتها وهي في عمر السادسة عشر. ما شعورك حين صرت أبًا في وقت متأخر من حياتك.

ناديرا: هو أب رائع. يقدم لها نصائح سيئة، ولكنها متزوجة الآن وسعيدة. ولكن في الماضي كان يقول لها «لا تتزوجي، لا تتزوجي. احظي بأكبر عدد من العشاق تريدينه ولكن لا تتزوجي» وكنت أقول: «ما هذه النصيحة التي تقدمها لها؟» ولكنها كانت تحب ذلك. بالنسبة لشخص لم يرغب أبدًا في أطفال، هو زوج أم طيب للغاية. يشعر بالضجر سريعًا جدًا، كانت موديل وتعمل في تصميم الملابس الراقية، وجعلته يهتم بالموضوع ويسأل عن فلانتينو وشانيل وآرماني. يريد أن ينغمس في تلك الأشياء. يريد أن يعرف أشياء جديدة.

شوتينر: هل تريد أن تضيف شيئًا إلى ذلك.

نايبول: لا، تمام، تمام.

شوتينر: هل أردت أن تحظى في أي وقت بأطفال؟

ناديرا: لا، لا. أبدًا. لا، لا. لم يكن سيحظى بالوقت ليكتب إذا كان لديه أطفال.

نايبول: بالضبط.

شوتينر: قلت إن الصوابية السياسية صارت تسيطر على جوانب معينة من الحياة البريطانية. ولكن هل تشعر أن حياتك تأثرت بالصوابية السياسية، وأن تلقي الناس كان مختلفًا لأعمالك.

نايبول: لقد ظللت بعيدًا عن كل هذا.

ناديرا: لديك شيئان مستمران معك، الكتابة والغضب. أنت غاضب على الدوام يا فيديا.

شوتينر: هل ما زلت تشعر بالغضب؟

نايبول: لا أشعر بالغضب، لا.

ناديرا: هو لا يصيح بالتعليقات ولا يسير مع الرائج في مسألة العنصرية. هو معتد بنفسه للغاية.. هو يعرف قيمته الشخصية. القليل من الكتاب الذين يعرفون ذلك.

شوتينر: كتبت مقالًا عن جون شتاينبك منذ فترة طويلة، قلت فيه إن الكتاب هم كتاباتهم وهم أيضًا أسطورتهم.

نايبول: «الكاتب في النهاية هو أكثر من كتابته، هو أسطورته». الجملة التي كتبتها بحرص تبدأ هكذا. كتبتها في عام 1969 على ما أعتقد.

شوتينر: ما هي أسطورتك؟

نايبول: ليس لديَّ أسطورة، ليس لديَّ أسطورة.

ناديرا: فزاعة.

نايبول: لا أعرف ما الذي يقوله الناس، المسألة هي أنني لا أقرأ ما يُكتب عني.

ناديرا: هذا صحيح (تضحك).

شوتينر: هكذا تقول إنك تود أن يعرفك الناس من خلال كتابتك لا من خلال الأساطير؟

نايبول: أنا حتى لا أفكر بهذه الطريقة. لأنني لا أعرف ما يقال. لا يمكن أن أرد على هذا السؤال بطريقة مثيرة للاهتمام. لا أعرف بالفعل ما يقال. أنا أتجنب السؤال.

شوتينر: حسنًا، يمكن أن أقول لك رأيي فيما يفكر فيك الناس.

نايبول: لا، لا، لا.

شوتينر: يحترم الناس كتاباتك احترامًا عظيمًا. لا بد أنك تعرف ذلك؟

نايبول: ناديرا، هل أعرف ذلك؟

ناديرا: نعم تعرفه.

نايبول: أعرفه، لا أهتم بذلك. أعتقد أن هذه إجابة صحيحة.

شوتينر: هل تعود وتقرأ كتبك؟

نايبول: مؤخرًا، كتبت العديد من المقدمات القصيرة للنسخ القديمة الصادرة عن دار بيكادور، وهذا جعلني أفكر في هذه الأعمال.عندما أنظر إليها، أشعر بتوتر شديد. يرجع ذلك إلى أنني دائمًا ما أنتظر تعثر الكاتب –أثناء قراءتي- بأن يقول شيئًا أحمق. وأتمنى ألا يحدث ذلك. ما زلت أعتقد أنه من الرائع جدًا أن أقرأ جملة لي تتسم بإمكانية الاستمرار.

ناديرا: حين كتبت كل تلك المقدمات، قلت في النهاية إنك تشعر بالذهول. الذهول من عملك. أذكر الجملة، يشعر بالذهول، لأنها كانت جيدة للغاية. هو جيد للغاية كما تعلم، لن تستطيع خداعه.

شوتينر: لم أحاول ذلك.

ناديرا: لا تجرؤ على المحاولة. لقد جئت بأحد الكتب التي كتبها، مثل «الطريق الأوسط»، بشكل ما تجاوزت جملة أو جملتين، فقال على الفور: «هذه زبالة، لا أكتب بهذه الطريقة. عودي. أنت تتجاوزين شيئًا، تقتطعين شيئًا». هو يعرف الموسيقى التي تتخلل سرده. يذكر كل جملة بطريقة غريبة. حاولت ذلك مع «بيسواس»، لا يمكن أن تقفز ثلاث جمل.

شوتينر: هذا الكتاب يدور حول الناس الذين نشأت بينهم. وأحد الأشياء التي قلتها هو أنك في مجتمعك، لم يعلمك الناس ما هو الجنس، كانت مسألة مقيدة للغاية.

نايبول: هل قلت ذلك؟

ناديرا: حين تحدثت عن الإغواء.

شوتينر: شكرًا لك. كيف ترى نشأتك مع وجود هذا الحس الذي شكَّل موقفك من الجنس في كتبك، والذي يكون عنيفًا للغاية في معظم الأحيان؟

نايبول: يُصنع المرء من كل الأشياء المحيطة به. هناك العديد من الأشياء التي تصنع المرء. الكاتب الذي يبحث عن الأشياء التي صنعته يبحث عن المشاكل. الأمر أشبه بأنك تضيف شخصية روائية على نفسك. لا أستطيع فعل ذلك. لا أستطيع فعل ذلك. هذه الأشياء موجودة فحسب. هل هذا يكفي؟

شوتينر: هل هناك ما تريد أن تضيفه؟

نايبول: لا. لا أعتقد ذلك. لقد وصلت إلى القول "هذه الأشياء موجودة فحسب". وهذا يكفي، هذا يكفي.

شوتينر: شكرًا لك. هل استطعت معرفة أين رأيتني من قبل

نايبول: أعتقد أنه من المحتمل أنك جئت وزرتني.

شوتينر: كنت سأتذكر ذلك.

 نايبول: حين قلت لك «هل رأيتك من قبل؟» كنت أولي اهتماما كبيرًا لضعفي؟ لا أتذكر الوجوه، حين اقترب مني شخص، لا أتذكر اسمه، من وقت قريب، حوالي أسبوعين، قالت ناديرا، «ها قد جاء س»، ونظر إليَّ وأخذ ينظر وينظر على أمل أن أعرفه.