الجزء الأول من فصل "حكام وبارانويين" من كتاب "الجماهير والسلطة" لإلياس كانيتي.
ترجمة: أمير زكي
نشرت بعدد فبراير من مجلة "عالم الكتاب"
يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه
 
***

 

 
في فصل الملوك الأفارقة، نرى خليطا من العديد من جوانب وعناصر السلطة التي ناقشناها بشكل منفصل في الفصول السابقة. كل شيء متعلق بهؤلاء الملوك يبدو غريبا وغير مألوف بحيث أن المرء يميل في البداية لأن يتجاهلهم باعتبارهم غرباء الأطوار، أو إن توقف المرء عند قصصهم، تلك التي سنذكرها، سيجعله يشعر بالتعالي. ولكن على المرء أن يُبدي القليل من الصبر والتواضع حتى يعرف أكثر عنهم. لا يمكن لأوروبي من القرن العشرين أن يعتبر نفسه متعاليا على الوحشية؛ فربما يستخدم وسائل أكثر تأثيرا، ولكن غاياتهم لا تختلف كثيرا عن هؤلاء الملوك الأفارقة.
 
التالي هو وصف (المؤرخ الفرنسي) دو تشايلو عن موت ملك قديم للجابون وانتخابات خَلَفه.
 
"بينما كنت في الجابون مات الملك جلاس الكبير. كانت القبيلة ضجرة من الملك. كانوا في الحقيقة يظنون أنه ساحر كبير وصانع للشر، وعلى الرغم من أن الأمر لم يكن يتم التحدث عنه صراحة، إلا أن القليل من المواطنين هم الذين كانوا يمرون من أمام منزله ليلا. عندما صار مريضا في النهاية شعر الجميع بالأسف؛ ولكن العديد من أصدقائي أخبروني سرا أن المدينة تمنت أن يموت؛ ومات بالفعل. استيقظت في صباح يوم ما على صوت الصراخ والنحيب. بدا أن المدينة كلها غارقة في الدموع؛ واستمر البكاء والحداد لستة أيام. في اليوم الثاني دُفن الملك سرا من قبل القليل من الرجال الموثوق بهم في القبيلة، وذلك في مكان هم فقط الذين يعرفونه ولم يعرفه الآخرون. وخلال أيام الحداد شغل رجال القرية الكبار أنفسهم باختيار ملك جديد. وكانت هذه أيضا عملية سرية. تم الاختيار بين مجموعة خاصة، ووصل الاختيار للسكان في اليوم السابع، عند يوم تتويج الملك الجديد. ولكن الملك نفسه ظل جاهلا بحظه السعيد حتى النهاية.
 
"صادف أنه تم اختيار نجوجاني وهو صديق مقرب مني. كان الاختيار مناسبا له، بشكل ما لأنه ينتسب لعائلة طيبة، ولكن بشكل رئيسي لأنه مفضل عند الناس وكان باستطاعته أن يحصل على معظم الأصوات. لا أعتقد أن نجوجاني كانت لديه أية فكرة عن تكريمه. بينما كان يسير على الشاطئ في صباح اليوم السابع وجد السكان كلهم يواجهونه فجأة، كان احتفالا سابقا على التتويج، وسوف يعيق أكثر الرجال طموحا في السعي إلى التاج. أحاطوه بزحام كثيف، ثم بدأوا في إلقاء كل أنواع الإهانات عليه تلك التي لا يتخيلها أعتى المجرمين. بصق البعض على وجهه، والبعض ضربه بقبضتيه، والبعض ركله؛ والبعض رمى أشياء مقززة عليه، وهؤلاء غير المحظوظين الذين وقفوا بالخارج والذين لم يستطيعوا الوصول للرجل البائس إلا بالصوت، لعنوه بقسوة، ولعنوا أباه وأمه وأخواته وأخوته، وكل أسلافه حتى أبعد جيل. أي شخص غريب لن يدفع قرشا مقابل حياة هذا الذي سيتم تتويجه حالا.
 
"ووسط كل الضجيج والصراخ، استطعت الاستماع لكلمات شرحت كل ذلك لي؛ لدقائق قليلة صرخ شخص ما، وكان يقود الضرب والركل بشكل خاص قائلا: (لم تصر ملكنا بعد، ولوقت قصير سنفعل ما نريد فعله معك، وفي وقت قريب سنسير حسب إرادتك).
 
"تصرف نجوجوني كرجل وملك متوقع. حافظ على هدوئه، وتلقى كل اللعن بوجه مبتسم. بعدما استمر هذا لمدة نصف ساعة، أخذوه إلى بيت الملك السابق، جلس هناك ليصير مجددا ضحية للعن الناس.
 
"ثم حل الصمت؛ ووقف الكبار من الناس وقالوا بوقار (وكان الآخرون يرددون ورائهم): (الآن قد اخترناك لتكون ملكنا؛ سوف نستمع إليك ونطيعك).
 
"حل بعد ذلك الصمت، وفي الحال أُحضرَت القبعة الحريرية التي هي رمز الملكية ووُضعَت على رأس نجوجوني. ووضعوا عليه رداء أحمر، واستقبل علامات عظمى للاحترام من هؤلاء الذين أهانوه منذ قليل.
 
"الآن بعد مرور ستة أيام من الاحتفال؛ كان الملك البائس مجبرا فيها على أن يستقبل رعاياه في بيته الخاص، وهو الذي حمل اسم سلفه مع وظيفته، ولم يكن من المسموح له أن يتحرك؛ ستة أيام من تناول الطعام الذي لا يوصف والروم السيء – في ثمالة وحشية واحتفال صاخب. عدد من الغرباء جاء من القرى المحيطة ليقدم احترامه؛ وهم جميعا أحضروا الكثير من الروم، والكثير من عرق البلح وطعام أكثر. أصبح هناك طريق لكل شيء احتفالي، وكل من قدِم تم الترحيب به.
 
"تم نسيان الملك السابق جلاس؛ رغم أن الدموع لم تتوقف لستة أيام بعد موته؛ والملك الجديد جلاس، الرجل البائس، كان يشعر بالإعياء والإرهاق، لأنه ليلًا ونهارًا كان مستعدا لاستقبال الناس وكان عليه أن يكون مهذبا معهم.
 
"في النهاية، تم شرب كل الروم، وانتهت أيام الاحتفال، وبدأت تحل الأيام الهادئة. والآن ولأول مرة أصبح بإمكان الملك الجديد أن يخرج ويرى مملكته.
 
تَعاقُب تصرفات الجماهير مهم هنا بشكل خاص. بدأ كل شيء بالمجموعة الباكية، التي تنتحب على الملك الراحل، وهذا استمر لستة أيام، ثم في اليوم السابع، لعنت فجأة الرجل الذي سيصير الملك الجديد. العداء الذي آثاره الملك السابق تم تنفيسه على خليفته، الجمهور الملتف حول الأخير هو أيضا جمهور يُصدِر رد فعل معكوس، فهو ليس موجها ضده ولكن ضد الملك الميت. إنهم الناس وهم يحررون أنفسهم من كراهيتهم للرجل الذي حكم لوقت طويل والذين لم يكونوا يكنون له سوى مشاعر الخوف. النظام الجديد بدأ بموقف يخافه كل حاكم بشكل أكبر: بأن يحاط بمجموعة من المتمردين الذين يضغطون عليه. ولكن بدلا من ذلك ظل نجوجوني هادئا، لأنه كان يعلم أن كل هذا العداء ليس موجها له؛ وعلى الرغم من أنه يبدو موجها ضده إلا أن هذا افتعال. البداية المؤلمة لحكمه ستلتصق بذاكرته كشيء يمكن أن يحدث له في الحقيقة. يحصل الملك هنا على وظيفته وسط ثورة، ولكنها ثورة بعد وفاة الملك الذي كانت الجماهير تود الثورة عليه، وكما يظهر فهي ليست ثورة على خليفته.
 
الحدث المهم الثالث هو الاحتفال، وهو مثل الحداد يستمر لستة أيام. المتعة المنتشرة والمتطرفة مع الطعام والشراب تعبر عن النماء المتوقع أن يجلبه الملك الجديد. إن كان يبدأ حكمه والأرض تفيض بالروم وعرق البلح فسوف تفيض كذلك فيما بعد؛ وكما هو الحال الآن، سيجد كل الناس من الطعام ما يفيض عنهم. فمن أجل الوصول للنماء تم تنصيب الملك الجديد. حشد الاحتفال كبداية للحكم الجديد يضمن نماء مستقبليا.
 
تقرير دو شايلو عمره مائة عام. لديه الامتياز في وصف الأشياء من الخارج بدون الانغماس في التفاصيل، ولكن طالما نعرف الآن أكثر عن الملوك الأفارقة ربما يكون من المفيد أن ننظر في واحدة من السرديات الحديثة أيضا.
 
ملك الجوكون في نيجريا كان يُعتَبَر كائنا إلهيا، وحياته كلها كانت مقيدة بحدود ملاحظة بعناية. لم تكن مهمته قيادة شعبه في المعركة ولا في تمييز نفسه بإدارة بلده بحكمة، لم يكن من المتوقع أن يكون شخصية عظيمة. ولكن كان يعتبر بالأحرى كمخزون حي لتلك القوى التي تجعل الأرض خصبة وتبعث النماء وتجلب الحياة والصحة إلى الناس. حِفْظ تلك القوى يتأكد عن طريق الاحتفالات التي تحدد مدار أيام وسنوات الملك.
 
نادرًا ما كان الملك يظهر أمام العامة. قدماه الحافيتان لا ينبغي أن تلمسا الأرض، لأنه لو فعل ذلك، ستفسد المحاصيل: هو أيضا ممنوع من التقاط أي شيء من على الأرض. في الأزمنة المبكرة، كان إن سقط من على حصانه يُعدَم فورا. لا ينبغي أن يقال إنه مريض؛ إن صار مريضا بشكل جدي يتم شنقه بهدوء على أساس أنه "لو استمع الناس إلى الملك وهو يئن من المرض سوف يضطربون". كان العطس مسموحا به، عندما كان الملك يعطس كان كل الحاضرين يضربون أفخاذهم بيديهم تعبيرا عن الاحترام. ليس من الملائم الإشارة إلى جسده أو الدلالة على أنه يملك جسدا إنسانيا عاديا. يتم بدلا من ذلك استخدام كلمة أخرى، تدل على الشخصية الملكية. الكلمة تستخدم لأي فعل يقوم به. فيتم الإشارة إلى الأمر الملكي أو الكلمة التي تخرج من فم الملك.
 
عندما كان يهييء نفسه لتناول الطعام، كان موظفون خاصون يصيحون، بينما يضرب الآخرون أفخاذهم 12 مرة. يجب أن يكون هناك صمت تام حول السياج الملكي، وفي الحقيقة في المدينة كلها؛ يتوقف كل الحديث وكل العمل المنزلي. طعام الملك يعتبر مقدسا ويوضع أمامه في احتفال واضح، وكأنه يوضع أمام إله. عندما ينتهي من الطعام تتكرر الصيحات والضرب على الأفخاذ، ويخرج الموظفون خارج البلاط معلنين أن العمل والحديث مسموحان مجددا.
 
من الكارثي أن يغضب الملك، وأن يشير بإصبعه إلى رجل، أو يضرب الأرض حانقا. إن فعل ذلك ستتأثر الأرض كلها بالبؤس ويجب استخدام كل الوسائل لتهدئته. فضلاته مقدسة ويهتم بها بنفسه، يهتم بشعره وبقص أظافره ويضعها في كيس يدفن معه حين يموت. بالإشارة إلى قوته في الخصوبة فهو يُخاطًب بـ "حنطتنا وحبوبنا" ويعتقد أنه بإمكانه التحكم في المطر والرياح. تعاقُب الجفاف والحصاد السيء يشير إلى ضعف قوته ويتم شنقه ليلا.
 
الملك المنتخب الجديد يجري ثلاث مرات حول تل، وبينما يفعل ذلك، يضربه النبلاء جيدا. في مناسبة أخرى يكون عليه قتل عبد، أو على الأقل جرحه، في تلك الحالة يكون على شخص آخر قتل الرجل بسهم أو سكين الملك.
 
في يوم التنصيب سيقول قائد القبيلة الملكية له: "اليوم نقدم لك بيت أبيك. العالم كله ملكك. أنت حنطتنا وحبوبنا، أرواحنا وآلهتنا. هكذا ليس لك أب ولا أم. ولكنك الأب والأم للجميع. اتبع خطى أجدادك ولا تؤذِ أحدا، هكذا سيطيعك شعبك وستصل إلى نهاية حكمك وأنت بصحة جيدة". ثم يركعون أمام الملك ويلقون التراب على رؤوسهم، ويقولون: "محاصيلنا، أمطارن، صحتنا، ثراؤنا".
 
الملك لديه قوة مطلقة، ولكن هناك حماة ضد الطغيان المفرط. عليه أن يستمع إلى نصائح مستشاريه، الطبقة النبيلة التي يرأسها الأبو، أو رئيس الوزراء الدائم. إن تسبب إفراط الحاكم في إيذاء البلد، وإن صار الحصاد ضعيفا أو حدثت أي كارثة وطنية أخرى، يصير من الممكن دوما إيجاد ثغرة في التابو أثناء الطقوس العديدة السابقة وبالتالي إعادة تقييم صلاحيته. يمكن للأبو دوما أن يدخل للملك. يمكنه أن يوبخه ولديه الأهلية لأن ينهره كثيرا إن قرر التغيب عن البلاط لأي فترة.
 
لا يقوم الملك عادة بحملات حربية، ولكن نظريا فكل الغنائم ملكه. وهو يعيد نصف أو ثلث الغنائم إلى الرجل الذي حصل عليها؛ كتعبير عن التقدير وعلى أمل أن يكرر الغانم ذلك في المستقبل.
 
إن أثبت الملك استحقاقه فكان في الأزمان المبكرة يحكم لسبعة أعوام ثم يتم قتله في عيد الحصاد.
 
في كتاب ويسترمان "تاريخ أفريقيا" وهو أول كتاب من هذا النوع، يتحدث الكاتب عن "التشابه المذهل في البناء والمؤسسات بين الممالك" ويعدد الصفات المشتركة بينها. وأسعى لذكر الأشياء الهامة بينها، مقلصا إياها إلى الأساسيات المجردة، ومحاولا تفسيرها في ضوء الاستنتاجات العامة التي وصلنا إليها في هذا الكتاب.
 
"يملك الملك قوة تمنح الخصوبة إلى التربة؛ سواء كان ازدهار المحاصيل يعتمد عليه أم لا. هو يعتبر أيضا مُنزِل المطر". يبدو الملك هنا جالبا للنماء؛ هذه هي صفته الأساسية. في الحقيقة يمكن للمرء أن يقول إنه من أجل هذه الصفة تطورت المؤسسة الملكية. يلقي الملك الأوامر من كل الأنواع، ولكن صفته الأساسية هي جلب النماء. "أنت أب وأم للجميع" هكذا يقول شعب جوكون وهذا لا يعني فقط إطعامهم جميعا، ولكن يعني أيضا أنه هو الذي يجعلهم ويجعل كل شيء يتنامى. تكون قوته هنا هي زيادة المحصول. الغرض والجوهر الكامل لهذا الكيان المركب ينتقل إلى فرد واحد، ولأنه شخص واحد، يمكنه أن يؤكد الاستمرارية التي لا يمكن للجمع تأكيدها؛ ولأن الجمع مكون من العديد من الأفراد فهو مشتت غالبا. الملك هو وعاء حي، يحتوي بداخل نفسه كل قوى النماء. من واجبه المقدس ألا يسمح لتلك القوى بالهرب. وبسبب ذلك يكون لديه الصفات التالية.
 
"من أجل الحفاظ على قواه في نشر النماء ولمنعه من إيذاء شخصه، فهو يحاط بمجموعة عظيمة من القواعد والتابوهات، تلك التي تحوله أحيانا إلى غير قادر على الفعل". قيمة شخص الملك هي في الحقيقة قيمة ما يحتويه، وهذا هو ما يقوده إلى عدم الحركة. هو وعاء ممتليء تماما، ولا يجب أن يسقط منه شيء.
 
"هو غير مرئي على الإطلاق، أو فقط في أوقات محددة. عليه أن يترك قصره مسيجا، أو فقط في الليل أو في حالات خاصة. هو لا يُرى وهو يأكل أو يشرب". عزلته تحميه من أي شيء يمكنه إيذاءه. ندرة ظهوره تعني أنه يوجد فقط من أجل أغراض خاصة جدا. الأكل والشرب يمكن أن يُنظّر لها على أنها أفعال غير مناسبة لأنها تقلل مما يفترض أن ينميه هو: عليه أن يكون قادرا أن يعيش على القوى التي بداخله وحده.
 
الشيء الحاسم فيما يتعلق بالملك هو فرادته: أناس لديهم آلهة عديدة لديهم ملك واحد. كما رأينا فمن المهم أن ينعزل. مسافة اصطناعية تتم بينه وبين رعاياه ويتم الحفاظ عليها بكل الوسائل الممكنة. هو يُظهِر نفسه نادرا، أو لا يظهر نفسه على لإطلاق، بنوع من التنكر يخفي شخصه سواء بشكل كلي إو إلى مدى بعيد. قيمته تتأكد بكل طريقة ممكنة، أولا بتغطيته إو إحاطته بأشياء قيمة ثم بندرة ظهوره. يحميه حارس مخلص تماما له ولا يراه ويقف على مسافات بعيدة. كبر محيطه الملكي وبناء الغرف الكبيرة بداخله تساعده على إيجاد مسافة تحميه أيضا.
الفرادة، والعزلة، والمسافة والقيمة، تشكل بالتالي مجموعة مهمة من الصفات يمكن أن تُرى بوضوح.
 
"التعبيرات الجسدية، مثل السعال والعطس، أو رَشْح الأنف، يتم محاكاتها والاحتفاء بها". مهما كانت الصفات التي يملكها ملك مونوموتيبا طيبة أو خبيثة، وبغض النظر عن رذائله وفضائله وأخطائه ونقائصه البشرية، يعاني رفاقه وخدمه من أجل محاكاتها؛ إن عرج الملك، يعرج رفاقه. نعرف من المؤرخين اليونانيين سترابون وديودوروس أنه لو تألم واحدا من ملوك إثيوبيا من أي جزء من جسده، فعلى حاشيته كلها أن تعاني من الإصابة نفسها. هناك رحالة عربي زار بلاط دارفور في بداية القرن الماضي ونقل واجبات الحاشية كالتالي: عندما يسعل السلطان وهو على وشك الحديث، يصدر الجميع صوت "تس.. تس" وكأنهم يهدئون طفلا صغيرا؛ وعندما يعطس يحاكي الجميع صوت السحلية، هذا الصوت الذي يشبه حث الرجل للحصان. وإن حدث وسقط السلطان من على حصانه، على أتباعه كلهم أن يفعلوا الشيء نفسه. وأي شخص يظل على سرجه يسقطونه على الأرض ويضربونه، مهما كانت مرتبته. في بلاط أوغندا، إن ضحك الملك، يضحك الجميع، إن عطس، يعطس الجميع. إن أصيب بالبرد، يدّعي الجميع أنهم مصابون به؛ إن قص شعره يقصه الجميع مثله. محاكاة الملك ليست مقتصرة على أفريقيا. "في بلاط بوني في سيليبس (بأندونيسيا حاليا) هناك قاعدة تقول إنه مهما فعل الملك فعلى الجميع أن يفعلوا الشيء نفسه، إن وقف، عليهم أن يقفوا؛ إن جلس، يجلسون، إن سقط من على حصانه، عليهم أن يسقطوا أيضا، إن تحمم يتحممون، ويدخلون للحمام بأي ملابس صادف أنهم يرتدونها". في الصين، نقل لنا مبشر فرنسي أنه "عندما يضحك الإمبراطور يضحك الخدم الموجودون في حضوره أيضا. يمكن للمرء أن يظن أن وجوههم منعكسة على الينابيع ويمكن للإمبراطور أن يلمسها ويعكس عليها تعبيراته من أجل متعته".
 
اتُخذ الملك على أنه نموذج عالمي. في معظم الأحيان يثير الإعجاب والتوقير: لا شيء تافه أو بلا معنى يقوم به. ولكن في بعض الأحيان يمضي الأمر أبعد من هذا، ويعتبر الناس كل حركة ولفظ منه أمرا: بالنسبة له أن تعطس معناها: "اعطس"؛ بالنسبة إليه أن تسقط من حصانك معناها "اسقطوا من أحصنتكم" هو ممتليء بقوة الأمر حتى أن كل شيء يقوم به يكون تعبيرا عن الأمر. بتجاهل الكلمات، تتحول الأوامر إلى أفعال مجددا؛ في تلك الحالة تؤدي الأفعال إلى المحاكاة. بالإضافة إلى ذلك، طالما أن الغرض التام لوجوده هو النماء، حركاته نفسها وأمراضه الجسدية تميل لأن تخضع لعملية التضاعف نفسها. يمكن للمرء أن يقول هذا حينما يحاكيه الخدم، فهم يصبحون نوعا من الكومة المتنامية. حتى لو لم يشعروا بأنفسهم بأنهم كذلك، فهم يتصرفون على أنهم كذلك. كلهم يقومون بالتصرف نفسه، أي ما يقوم به الملك أولا. البلاط الذي يصبح بلورة حشدية يعود لأصله، وهو كومة النماء.
 
الاحتفاء والتصفيق يمكن أن يعتبرا أيضا تعبيرات عن إرادة النماء. الحركات والمنطوقات التي تُتَخَذ كنماذج تقوى عن طريق التصفيق والأنواع الأخرى من التكرار الذي يدعم الموقف. القليلون يمكنهم أن يحتملوا إجبار الألف يد التي تصفق في حفل؛ فعل يتم الاحتفاء به مجبر على التكرار.
 
إن بدأ الملك في الكِبَر فهذا يهدد قواه السحرية؛ يمكن أن يصير أضعف أو يختفي، أو ربما تُحوِّله القوى الشريرة إلى عكسه. بالتالي حياة الملك العجوز لا بد أن تنتهي، وتتحول قواه السحرية إلى خليفته". شخصية الملك مهمة فقط طالما أنها غير مشوبة: بالضبط كالوعاء السليم القادر على احتواء قوى النماء. أصغر نقص يجعل الملك مشكوكا فيه من قبل رعاياه، لأن هذا يعني أنه ربما يُفقِد بعض الجوهر الموثوق أنه لديه وبالتالي يخاطر برفاهية شعبه. تكوين تلك الممالك هو تكوين جسدي للملك نفسه. هو تسلم المملكة في قمة قوته وصحته. الملك الذي يظهر الشعر الأبيض على رأسه أو يتدهور نظره، والذي يفقد أسنانه يصير عاجزا، ويُقتَل، أو عليه أن ينتحر؛ يتناول السم أو يتم شنقه، تلك هي الأشكال المعتادة من الموت، لأن سفك الدماء محرم. في بعض الأحيان مدة حكمه تكون محددة من البداية: ملوك جوكون كما رأينا يحكمون في الأصل لمدة سبع سنوات. وسط البامبارا الملك المنتخب الجديد تتحدد مدة حكمه حسب التقليد التالي. "يوضع شريط من القطن حول رقبته ويشد رَجُلين الشريط من الاتجاهين المتعاكسين، بينما يحاول أن يصل إلى ثمار الكالاباش أمامه بقدر استطاعته. وهذا يحدد عدد السنوات التي سيحكمها، وبعد نهايتها سيتم شنقه.
 
ولكن التقصير المصطنع لحياة الملك يساعد في غرض آخر إلى جانب الحفاظ على جوهره النامي القيم. به يتم التقليل من شغفه بالحياة - الذي يمكن على العكس أن يتحول إلى خطر أثناء فترة حكمه. يعلم الملك متى سيموت، ويعلم أن هذا يكون أقرب من العديد من رعيته. لحظة وفاته قائمة دوما أمام عينيه، وهكذا عليه أن يشعر بأنه ثانوي أصلا بالنسبة لهؤلاء الذين يحكمهم. فيصنع نوعا من التحالف معهم. إنه حاكم ينكر رغبة الطاغية في العيش تحت كل الظروف. التكريم الذي يحصل عليه هو في الحقيقة عبء. يعلن استعداده لترك الحياة بعد مرور فترة محددة من الزمن.
 
الإهانات والضربات المعرض لها قبل أن يتولى منصبه تجعله يتعود على ما ينتظره في النهاية. وبينما يخضع له، فهو يخضع للقدر الأعلى. موته متوقع. سواء عن طريق تهديده به، أو كإمكانية تتكرر أو باعتباره شيئا محددا سلفا في النهاية، الحشد المحيط المجتمِع حوله يجعل من الواضح له بشكل مؤلم أنه ليس يحكم لنفسه. الحكام المتوقعون لجماعة يوروا يقال إنهم يُضربون أولا وأي شخص لا يتحمل الألم بهدوء يتم رفضه. ربما يحدث أن يقع الاختيار على أفقر الأمراء الذي يسعى في حياته بهدوء وليس لديه مخططات للحصول على العرش. يُؤمر بأن يظهر ولدهشته يُضرَب بشكل وحشي. قرينه في سيراليون يُكَبَّل بالقيود ويُسحَق قبل أن يُعلَن ملكا. سيذكر القاريء وصف دو شايلو عن الانتخاب الملكي في الجابون. بين موت ملك وتنصيب آخر جديد، تكون هناك فترة يغيب فيها القانون. وهي كما نرى تجد تعبيرها ذا الدلالة في التعامل السيء مع الملك المنتخب. ولكن غياب القانون نفسه يمكن أن يتحول ضد الضعفاء والتعساء. وسط ولاية موسي في واجادوجو تحرَّر كل المجرمين من السجن بعد وفاة الملك. وتم السماح بالقتل والسرقة وكل أنوع المحرمات. في آشانتي كان هناك أعضاء القبيلة الملكية الذين ربحوا من فترة الفوضى؛ كان من المسموح لهم أن يقتلوا ويسرقوا أي شخص عادي. في أوغندا موت الملك ظل سرا لفترة. ثم، بعد يومين تقريبا، اندلعت النار المقدسة في مدخل السياج الملكي وانطفأ وبدأ النحيب العظيم. ضربت الطبول إيقاعات الموت، بالتالي عرف الناس ما حدث. ولكن لم يكن من المسموح لأي أحد أن يتحدث عن الموت؛ ما قيل هو أن "النار انطفأت". تبع ذلك فترة وحشية من الفوضى. حاول كل الناس أن يسرقوا أشخاصا آخرين والقادة فقط الذين كانت تتبعهم طائفة قوية كانوا قادرين على البقاء في أمان. قادة أقل أصبحوا في خطر من أن يقتلوا عن طريق الأقوياء، هؤلاء الذين فعلوا ما بدا لهم أثناء خلو العرش. في مثل هذه الظروف أصبح من الواضح أن الضعيف والتعيس هو الذي يعاني أكثر. عاد النظام مع الملك الجديد؛ هو في الحقيقة جسّد النظام بشخصه.
 
الخلافة لم تكن دوما تستقر كما هو واضح، وحتى لو حدث هذا فلم يكن الناس يعرفون بها إلا عندما تتحقق. مبدأ غريب من الخلافة وُجد في ولايات هيما. شَرَح أوبيرج هذا بدقة في دراسة مميزة عن مملكة آنكول.
 
هنا أيضا، كان على الملك أن يتناول السم في اللحظة التي ترى زوجاته وأتباعه الضعف فيه. أصبح هناك ضغط كبير على قوته وهذا أيضا حدد اختيار خليفته. بالنسبة لحكم أقلية هيما، أصبحت مسألة ذات أهمية كبيرة أن الأقوى بين أبناء الملك هو الذي يخلفه. اختبار القوة يمكن فقط أن يتم عن طريق العراك. بالتالي كانت الحرب حتمية من أجل الخلافة، ولكن المملكة لم تستطع أن تبقى بدون ملك بينما تقوم الحرب. بالتالي بعد مراسم الانتحاب على الحاكم الميت، تحدث معركة وهمية بين الرعاة العاديين، المنتصر منها يعلن على أنه الملك الوهمي. الأخوة الملكيون الشرعيون يشاهدون المعركة وبعدها يتقرر أن يجمع كل منهم أتباعه ويذهبون للبحث عن الطبول الملكية. إن قابلوا بعضهم في الطريق يحاربون بعضهم وكل منهم يحاول أن يقتل الآخر. "إن ظل لأحدهم أتباع أقل من الآخر يُقتَل أو يهرب لبلد آخر. من جهة أخرى، هناك إستراتيجية لتجاوز نقص الأتباع. يتجسس الأخوة على بعضهم ويتسللون في الليل ليقضوا على الآخرين. يضعون السم في طعام بعضهم أو يطعنونهم وقت نومهم. يتم الاستعانة بالسحر ومساعدة الحلفاء الخارجيين. كل ابن تساعده أمه وأخته، اللتان تمارسان السحر ضد أعدائه، وتحميه من أرواح الأعداء المميتين". الملك الكبير يُفَضِّل ابنا، اختاره ليكون الخليفة، ولكن يظل هذا الابن غير معلن عنه وسط المعركة.
 
ربما تستمر حرب الخلافة لعدة أشهر، أثناء هذه فترة يتحول البلد كله إلى الفوضى. "كل رجل يعود إلى عائلته لحمايتها. يقال إنه تحدث سرقات كبيرة لقطعان الماشية، والذين لديهم ثأر يستغلون الحالة الفوضوية للبلد للانتقام من أعدائهم، ولكن القادة العظام الذين يحرسون حدود آنكول لا يشاركون في الحرب من أجل العرش. يحاولون أن يحافظوا على النظام الداخلي بقدر الإمكان بحماية البلد من الغزاة الخارجيين.
 
"شيئا فشيئا إما أن يموت الأمراء أو ينفون حتى يبقى واحد فقط. الابن المختفي، المفضل لدى الملك الراحل، يظهر من مخبئه ويحارب مع المنتصر وسط أخوته من أجل الحصول على الطبول الملكية. هو لا ينتصر دوما، ولكن عادة ما يكون لديه أقوى السحرة وأتباع كثيرون". وعندما يموت كل إخوته، يعود الحي – مع الطبول الملكية وأمه وأخته – إلى الساحة الملكية. الملك الوهمي يُقتَل والأخ المنتصر يعلن كملك جديد.
 
تتم إبادة كل المنافسين. ويُعلَن الحي كمنتصر، يُعتَبَر الأقوى ويحتفي به كل الناس. يمكن أن يفترض أنه في ولايات هيما الأخرى، عندما تكون القاعدة هي حروب الخلافة، فالمبادئ نفسها تظل في الجذور. أراد الناس الحي الباقي ملكا لهم؛ حقيقة أنه قتل العديد من الأعداء تضفي عليه في أعينهم القوة التي يريدونه أن يحصل عليها.
 
ولكن صراع الخلافة الواقعي ليس الوسيلة الوحيدة لصبغ الملك الجديد بقوة الحي. في مملكة كيراتا في الحدود الشمالية لآنكول، تُختَصَر الحرب من أجل الخلافة في طقس مذهل يشكل جزءا من احتفالات تتويج الملك الجديد. آخر مرة تم فيها كان في تولي الملك كاباريجي عام 1871. التالي هو وصف لما حدث ساعتها:
 
وسط الأمراء، كان هناك دوما أمراء صغار جدا لا يستطيعون المشاركة في المعركة. بالتالي يظلون أحياء عندما يُفنِي الأشقاء بعضهم بعيدا عن المنتصر. واحد من هؤلاء الأخوة الصغار أُخِذ جانبا عن طريق القائد الذي يتصرف كنوع من الوصي على العرش وقيل للأخ إنه اختير كملك. كل القادة الموجودين هناك يوافقون. ولكن الصبي علم ما المقصود وقال: "لا تحاول أن تخدعني، لست الملك وأنت تحاول فقط قتلي". ولكن كان عليه أن يذعن ويوضع على العرش. جاء القادة، وقدموا له الهدايا والاحترام. ومعهم أتي كابريجا المنتصر، الذي تولى العرش بالفعل. وكان يرتدي رداء أمير بسيط ويجلب معه بقرة كهدية. سأله الوصي "أين بقرتي؟" ويجيب كاباريجيا "لقد جلبتها للشخص الشريف؛ الملك". يبدو أن الوصي اعتبر تلك إهانة له فضرب كاباريجا على ذراعه بعصا، بينما مضي الأخير غاضبا ثم عاد مع مجموعة محاربيه. عندما رآهم الوصي قادمين قال للصبي على العرش "لقد جاء كاباريجا ليحارب". في هذه اللحظة أراد الصبي أن يهرب، ولكن الوصي أخذه إلى آخر حجرة العرش وشنقه. ودُفن في الساحة.
 
الشقاق بين الوصي والحاكم الآن كان مفتعلا. قَدرَ الصبي الملك كان محددا سلفا: الصبي الملك اختير من البداية أثناء احتفالات التتويج ليقتل "ربما يكون قد تم خداع الموت". الحرب تمت وتقررت؛ منافسوه ماتوا كلهم إلا أن على الملك الجديد – أثناء تتويجه – أن يبقي أخا ناجيا، ويكون الضحية في الغرفة الداخلية من الممتلكات الملكية، حيث يوجد العرش والطبول الملكية.
 
في مملكة كيتارا نفسها كان القوس الملكي يحمل دلالة رمزية؛ كان يجب أن يعاد صناعته في كل تتويج. يتم اختيار رجل للتبرع بالأوتار في جسده. هو يعتبره كتشريف وهو نفسه يشرف على نزع الأوتار من جانبه الأيمن. يقال إنه يموت دوما بعد هذه العملية. القوس المصنوع من الأوتار يُسَلَّم للملك مع أربعة أسهم، يطلقها بعد ذلك، واحد لكل ركن من الأرض، يقول: "أنا أطلق السهام على البلاد للانتصار عليها"، ويضيف - بينما يطلق كل سهم - أسماء البلاد التي عاش فيها واتجاهاتها. يتم البحث عن الأسهم، وتعود وتبقى وتستخدم مجددا. في بداية كل عام يكرر الملك "إطلاق السهام" هذا. كانت أوغندا هي أكثر الممالك المجاورة قوة، وكانت في حرب دائمة مع كيتارا. هناك، عندما أتى الملك إلى العرش، قيل أنه "أَكَل أوغندا" أو "أَكَل الطبول". امتلاك الطبول كان علامة على السلطة والمسئولية. كانت هناك طبول ملكية وطبول للقادة، وكل وظيفة كانت تُعرَف عن طريق طَرْق الطبول. وسط احتفال التتويج قال الملك: "أنا ملك أوغندا. أنا الملك الذي سيعيش أطول من أسلافه، لأحكم البلاد وأقضي على الثورة".
 
واجب الملك الجديد الأول هو الانتحاب على أسلافه، وفي نهاية فترة الحداد تُضرَب الطبول وتقام رحلة صيد في اليوم التالي. يأتون بغزالة ثم يحررونها، ثم يطاردها الملك. وبعدها يتم القبض على رجلين، عابرين عاديين في الطريق؛ واحد منهم يُشنَق والآخر يوهب الحياة. في الليلة نفسها يعتلي الملك كرسيا ملكيا قديما ونبيلا رفيع الشأن يجعله يقسم أمامه. رجلان قويان يحملانه على أكتافهما عبر ممتلكاته كلها أمام الناس لتقديم الاحترام له.
رجلان معصوبا الأعين يوضعان أمام الملك. واحد منهم مجروح بشكل محدود بسهم ويُرسل كنوع من كبش الفداء للعدو كيتارا. الرجل الآخر يتحرر ويُوَظَّف ناظرا على البلاط الداخلي للملك وحارسا لزوجاته. معا إلى جانب ثمانية سجناء يُقاد إلى مكان ليُضَّحى به. هنا معصوب العين أيضا وسبعة من السجناء يُقتلون مجددا بالعصي في حضوره؛ هو مسموح له بأن يشهد موت الثامن. تلك الميتات من المفترض أن تقوي الملك؛ وهي بالتأكيد تُقَوِّي قوة وإخلاص الناظر.
 
عندما يحكم الملك لعامين أو ثلاثة، يحضرون أيضا رجلين أمامه؛ واحد منهم مجروح والآخر توهب له الحياة؛ الشخص المجروح يُقتَل خارج المدخل الرئيسي للساحة الملكية؛ الآخر يعرف على أنه مساعد الناظر وواجبه الأول أن يأخذ جثة الرجل الذي قتل ويلقيها في أقرب نهر.
 
هذان الرجلان يقتلان أيضا لتقوية الملك. كان هناك قتل لإظهار أنه دخل إلى مملكته، ومع كل قتل جديد يمكن أن يصير حيا مجددا. إنها العملية الحقيقية للحياة التي تجلب له السلطة. من المذهل هنا، وربما من الغريب على أوغندا هو عرض الضحايا بشكل مزدوج، واحد منهم يموت بينما يوهب الآخر الحياة. يمارس الملك الحقين في الوقت نفسه. يستدعي القوة من وفاة شخص، ولكنه يربح  أيضا من العفو عن الآخر. لأن هذا الرجل شاهد على قَدَر رفيقه؛ هو نفسه قوي بكونه حيا، وكشخص يتلقى الرحمة، يصير خادما مخلصا للملك.
 
في النهاية، من المدهش أن ملك أوغندا يمكنه أن يموت، هناك العديد من المناسبات يتم التضحية فيها بالحيوات من أجله. فكرة أن الملك يمكنه إنماء سلطته خلال الحياة تقود إلى بداية تضحيات الإنسان العادي، ولكن تلك كانت مؤسسة دينية، مستقلة عن شهوة هذا الملك أو ذاك. كل منهم يكون لديه مزاجه وطبعه ومنها الطباع التي يمكن أن تكون خطيرة.
 
واحد من الصفات الأساسية للملك الأفريقي هو سلطته المطلقة على الحياة والموت. الرعب الذي ينشره عظيم. "أنت الآن لديك سلطة على الحياة والموت. تقتل كل الناس الذين يقولون إنهم لا يخشونك". هذه هي صيغة التنصيب لملك إيجارا. كان يقتل عندما يريد ولا يقدم سببا. رغبته كانت كافية؛ هو ليس عليه أن يتحمل مسئولية ذلك، ولكن السياف هو الذي يفعل ذلك، وكان هو الموظف الذي لا يُبارَى في بلاطه. ولكن الرجل الذي يسيطر على البلاط في النهاية يصبح رئيس الوزراء، كما في داهومي، وكان هناك المئات من السيافين الذي يشكلون نوعا من الطبقة، كان هذا هو الحال في آشانتي؛ سواء كانت الإعدامات متعددة أو محدودة في حالات معينة، فأحكام الموت كانت دوما حقا غير متنازع عليه للملك. إن مضى وقت طويل بدون ممارسة الإرهاب الضروري، يفقد سلطته، فلا أحد يخافه ويتلقى الازدراء.
 
يعتبر الملك أسدا (أو فهدا)، سواء لأنه كان يُعتَقَد أن هذا الحيوان هو سلفه، أو ببساطة لأنه يشترك في صفاته بدون أن يكون منتسبا إليه. طبيعة الأسد (أو الفهد) تعنى أنه مثل تلك الحيوانات- عليه أن يَقتِل. من الصائب والملائم له أن يَقتِل، حتى ينشر الرعب كما كانت تلك الحيوانات تفعل؛ نزوعه إلى القتل فطري.
 
كان ملك أوغندا يأكل وحده ولم يكن من المسموح لأحد أن يراه وهو يأكل. واحدة من زوجاته كان عليها أن تقدم له طعامه وتعطي له ظهرها بينما يأكل. "يأكل الأسد وحيدا"، كما يقال. إن لم يعجبه الطعام، أو لم يحضر بشكل سريع بما يكفي، سيستدعي المتهجم ويطعنه حتى الموت. إن كانت الزوجة تنتظره وسعلت أثناء تناوله للطعام تُقتَل. لديه سهمان دوما في يده. إن حدث ودخل شخص ما بشكل مفاجيء وهو يأكل، يُطعن الرجل في مكانه. ثم يقول الناس: "عندما كان الأسد يأكل قُتِل وهكذا". لا يوجد إنسان مسموح له أن يلمس أي طعام تركه الملك. فتُقَدَّم البقايا إلى كلابه المفضلين.
 
ملك كيتارا كان يطعمه طباخه. يحضر الطباخ الطعام، ويشبك الشوكة في قطع اللحم ويضعها في فم الملك. يقوم بذلك أربع مرات، وإن لمس بالصدفة أسنان الملك بالشوكة يتم قتله.
 
في كل صباح، بعدما يُجلَب اللبن من الأبقار، يجلس ملك كيتارا على العرش ويستمع إلى القضايا التي تأتي أمامه. إن كان هناك حديث عندما يكون في البلاط ويطلب الصمت، يأخذ سيفا بحدين يحمله دوما خادم حاضر معه. يرتدي الخادم جلد النمر على كتفه اليمين، ورأسه محنية لأسفل في مواجهة الناس وتخفي السيف. عندما يريد الملك القتل يرفع يده ببساطة، ويخرج الخادم السيف فيه ويسلمه للملك الذي يقتل به الشخص المراد قتله في البلاط. هناك أحوال أخرى يقوم فيها بإجراء عدالة موجزة. عندما يسير بداخل الساحة الملكية هو يصطحب دوما خادما يحمل سيفا وإن لم يعجبه أي شيء يرفع يده، ليتسلم السيف الذي يضربه في قلب المتهجم.
 
كل هذه الأوامر يجب أن تُتبَع بشكل مطلق؛ معارضتها بأي شكل تعني الموت. هنا الأمر يظهر نفسه في شكله الأقدم والأنقى، كالحكم بالموت الذي يهدد به الأسد كل الحيوانات الأضعف. إن كان هناك أعداء فيجب أن يكونوا هاربين دوما من أمام الملك؛ إن كان هناك رعايا، هم مجبرون على مساعدته. يأمر شعبه كما يحب، طالما يتبعونه، ويقدمون له حيواتهم. ولكن بشكل أساسي هو دوما الأسد؛ وعندما يريد أن يقتل أحدا فهو يفعل ذلك.