شيموس هيني: شاعر في المنتصف
مقال لهنري كول*
ترجمة: أمير زكي
نُشرت بجريدة أخبار الأدب 8 سبتمبر 2013
*هنري كول، كتب ثمانية مجموعات شعرية، آخرها "اللمسة" والمحرر الشعري لجريدة "النيو رابابليك" ويدرس بجامعة أوهايو. 

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه

ليس من قبيل الصدفة أن أعمال شيموس هيني المختارة كانت بعنوان "الأرض المفتوحة" طالما أن كتابة الشعر بالنسبة لصبي الحقل المميز هذا كانت نوعا من الحفر: "بين سبابتي وإبهامي، يقف قلمي الصغير، مهيأ كبندقية"
وليس من قبيل الصدفة أن هذه المختارات لأفضل القصائد لثلاثة عقود بدأت بكلمة "بين"، لأن هيني كان شاعر "الما-بين" (كما قالت صديقته هيلين فيندلر)، هو الذي يكتب في مساحة بين الشمال والجنوب، بين الكاثوليكية والبروتستانتية، بين أيرلندا وإنجلترا وأمريكا، بين الشعر الموزون والحر، بين العام والخاص، بين الواقعية والرمزية، بين الكلام الواضح والمُحَمَّل "كل شق داخله معدن"، بينما يوازن أيضا جدية موضوعاته بمرح وتعالي اللغة الشعرية. كما قال هيني: "الفكرة هي أن تُحَلِّق تحت وفوق وفيما وراء الرادار".
يجب أن يظل الشاعر "منفتحا" بأي ثمن، يختبر بقدر الإمكان جانبي أي جدال – سواء كان جانب الحكومة، أو جانب الحبيب، أو جانب الذات. وبالتالي ليس مفاجئا أن كتاب "الأرض المفتوحة" ينتهي بكلمة "منفتح" لأن هذا هو الشرط الضروري لأي شاعر عظيم وأصيل. ولكن "كيف تكون مسئولا اجتماعيا وحرا إبداعيا، بينما تظل صادقا أمام البرهان السلبي للتاريخ؟" هذا هو السؤال الذي كان هيني يحاول دوما أن يجيب عليه بينما يكتب أشعارا ذات جمال استطيقي ويحوّل خشونة التجارب الإنسانية إلى هارمونيات معقدة.
ولكن يا له من يوم حزين لأن هيني هرب منا وهو الآن ينتمي للأدب. عنوان كتابه "الأرض المفتوحة" يجعلنا نشعر بحزن خاص.
كما قالت ماريان مور: "القوى التي ظهرت في شعره هي العاطفة غير المكبوتة، الفرح، الحزن، اليأس، الانتصار". موضوعات هيني كانت: ما الوفاء؟ ما المنفى؟ ما الصواب؟ ما الحب؟ وكيف يمكننا إدارة مشاعرنا؟ هذه موضوعات تشغلنا جميعا. وعلى الرغم من أنه عاش في أيرلندا المنقسمة مع الدبابات والجنود وغير ذلك من أشكال التفسخ، إلا أنني لم أسمعه قط وهو يزعم أنه يعيش حالة الضحية.
أعتقد أن هيني شاعر أخلاقي، لأنه مهتم جدا بالخصائص التحولية للشعر الذي يعزي ويعلم ويدعم، هو كان يؤمن بأنه بإمكان الكتابة أن تغير الأشياء، كما حدث في قصة بالعهد الجديد حيث كتب يسوع على الرمل وحوّل نظر الحشد من رجم امرأة قُبض عليها وهي تزني. إنها كتابة يسوع على الأرض بإصبعه هي ما حولت نظر الحشد الغاضب، وكما قال هيني: "إنها لفتت الانتباه عن هوس اللحظة". كان يعتقد أن الشعر يمكنه أن يحقق هذا.
كرجل، كان هيني شاعرا ذو كرامة كبيرة. أقول هذا كزميله السابق وكشاعر من جيل أصغر، يبحث عن طرق ليجد مكانا في العالم الأدبي. عندما رأيته بعد حصوله على نوبل بوقت قصير، رفض تماما أن يستخدم الكلمة التي تبدأ بحرف "ن" (نوبل) كما كان يطلق عليها، عندما كان يحكي لي قصة وجوده في اليونان في رحلة بالسيارة مع زوجته راجت أخبار إعلان الجائزة التي تبدأ بحرف الـ "ن". لم تصل إليه الكلمة حتى اتصل بابنه الاتصال الروتيني وصاح فيه الابن: "انا فخور جدا بك يا أبي". عندما كان هيني طالبا بجامعة كوين، كان اسمه المستعار أنكيرتوس التي تعني باللاتينية "المتشكك" وبقدر ما أستطيع القول لقد جعلته جائزة نوبل أكثر تواضعا.
بالنسبة لي عنوان كتاب هيني "الأرض المفتوحة" يشير أيضا لشيء فيه بحث واستخراج، وكأنه متعلق بقبر. 
إنه يكشف رجل يرفض أن يكون عاطفيا وهو يحفر ويستخرج الحقائق من روحه ومن العالم. عندما أقرأ قصيدة لهيني أتذكر "المقدمة" لووردسوورث عندما كان يبحث من جانب القارب على مياه ساكنة، يعزي نفسه وهو يرى بريق صورته مختلطا بالحصى والجذور والصخور والسماء. الزمن، والتاريخ، والفكر، والذات مختلطين بطريقة جذابة – بالضبط كما هو الحال في أفضل أشعار هيني، الذي بعدما قام بالحفر قام بالإنبات والإثمار .