رسالة لجورج أورويل عن سبب كتابته لـ "1984"
 
معاد طبعه من كتاب "جورج أوريل: حياة في رسائل" اختارها وأضاف هوامشها بيتر ديفيسون، صدرت طبعته الأمريكية عام 2013
 
ترجمة: أمير زكي

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه

عام 1944، قبل ثلاث سنوات من كتابة "1984" وقبل خمس سنوات من نشرها، كتب جورج أورويل رسالة تُفَصِّل أطروحة روايته العظيمة.
 
 
إلى نويل ويلميت
18 مايو 1944
106 أ مورتيمير كريسينت ن. و
عزيزي السيد ويلميت
جزيل الشكر لرسالتك. تسألني إن كانت الشمولية وعبادة القائد إلخ هي حقا في صعود، وتطرح حقيقة أنها لا تنمو بشكل واضح في هذا البلد وفي الولايات المتحدة.
عليّ أن أقول إنني أعتقد - أو أتخوف - أنه بالنظر إلى العالم ككل، فهذه الأشياء في ازدياد. بلا شك فهتلر سيختفي قريبا، ولكن فقط في مقابل تقوية (أ) ستالين، (ب) المليونيرات الأنجلو أمريكيين (ج) كل أنواع الفوهررات الصغار من نمط ديجول. كل الحركات القومية في كل مكان، حتى تلك المنبثقة من مقاومة السيطرة الألمانية، تبدو أنها تتخذ أشكالا غير ديمقراطية، وتجمع نفسها حول فوهرر على نمط الإنسان الأعلى (هتلر، ستالين، سالازار، فرانكو، غاندي، دي فاليرا هم أمثلة متنوعة) وتتبنى نظرية الغاية تبرر الوسيلة. في كل مكان يبدو أن حركة العالم تتجه نحو اقتصادات متمركزة مُعَدّة لتعمل بحس اقتصادي ولكنها غير منظمة ديمقراطيا وتميل لتأسيس نظام طبقة متعالية. بهذا تمضي فظائع القومية العاطفية والميل لعدم تصديق وجود حقيقة موضوعية، لأن كل الحقائق يجب أن تتلائم مع كلمات وتنبؤات فوهرر ما لا يخطيء. التاريخ بالفعل توقف بمعنى ما عن الوجود، مثال: لا يوجد شيء يمثل تاريخ زمننا يمكن قبوله عالميا، والعلوم الدقيقة ستتعرض للخطر في الوقت الذي تتوقف فيه الضرورة العسكرية عن جعل الناس أهل لها؛ يمكن لهتلر القول إن اليهود هم من بدأوا الحرب، وإن انتصر سيصبح هذا هو التاريخ الرسمي. لا يمكنه القول إن اثنين زائد اثنين يساويان خمسة، بسبب أغراض مثل أنه على علم المقذوفات أن يراهما يساويان أربعة، ولكن نوع العالم الذي أخشى من تحققه، العالم المكون من اثنين أو ثلاث دول قوية عظمة غير قادرة على غزو بعضها، سيساوي اثنين زائد اثنين خمسة، إن رغب الفوهرر في ذلك[1]. هذا - بقدر ما يمكنني الرؤية - هو الاتجاه الذي نتحرك فيه على الرغم إن هذه العملية قابلة للانعكاس بالطبع.
فيما يتعلق بالمناعة النسبية لبريطانيا والولايات المتحدة، بغض النظر عما يمكن أن يقوله السلاميون أو غيرهم، نحن لم نتحول إلى شموليين بعد، وهذا عَرَض واعد جدا. أؤمن بشكل كبير – كما شرحت في كتابي "الأسد واليونيكورن" - بالشعب الإنجليزي وقدرته على مركزة اقتصاده بدون تدمير الحرية أثناء ذلك. ولكن على المرء أن يتذكر أن بريطانيا والولايات المتحدة لم يُختبرا حقا، لم يعرفا الهزيمة أو المعاناة الشديدة، وهناك أعراض سيئة توازن الأعراض الجيدة. لنبدأ بوجود لا مبالاة عامة بتحلل الديمقراطية؛ هل تدرك - على سبيل المثال - أنه لا أحد أصغر من 26 عاما في انجلترا الآن شارك في تصويت، وبقدر ما يرى المرء فإن الغالبية العظمى من الشعب في هذا العمر لا تهتم بذلك على الإطلاق[i]؟ ثانيا هناك حقيقة أن المثقفين أكثر شمولية في وجهة نظرهم من العوام من الناس؛ بشكل عام عارضت النخبة الإنجليزية هتلر، ولكن فقط في مقابل قبول ستالين. معظمهم مستعدون تماما للممارسات الديكتاتورية، الشرطة السرية، التزييف المنهجي للتاريخ[2]إلخ. طالما أنهم يشعرون بأن هذا يقف إلى "جانبنا". في الحقيقة التصريح بأننا ليس لدينا حركة فاشية في إنجلترا يعني بشكل كبير في هذا اللحظة أن الشباب يبحثون عن فوهرر في مكان آخر. لا يمكن للمرء أن يتأكد من أن هذا لن يتغير، ولا يمكن للمرء أن يتاكد من أن العامة لن يفكروا بعد عشر سنين كما يفكر المثقفون الآن. آمل[3]أن لا يفعلوا، أنا حتى أثق من أنهم لن يفعلوا، ولكن إن فعلوا سيكون ذلك على حساب النضال. إن صرّح المرء ببساطة بأن كل الأمور تعمل من أجل الخير ولم يُشِر إلى الأعراض الخبيثة، فالمرء يساعد ببساطة على جعل الشمولية أقرب.
أنت تتساءل أيضا: إن كان الميل العالمي موجها للفاشية، فلماذا أدعم الحرب. إنه اختيار من بين الشرور – وأظن أن كل حرب هي كذلك. أنا أعرف الإمبريالية البريطانية بما يكفي لكي لا أحبها، ولكني سأدعمها في مواجهة النازية أو الإمبراطورية اليابانية، كشر أقل. بشكل مشابه سأدعم الاتحاد السوفييتي في مواجهة ألمانيا لأنني أعتقد أن الاتحاد السوفييتي لا يستطيع أن يهرب كلية من ماضيه، وهو يستعيد ما يكفي من الأفكار الأصلية للثورة لتجعله ظاهرة واعدة أكثر من ألمانيا النازية. أعتقد – وقد اعتقدت منذ بدأت الحرب تقريبا في عام 1936 - أن قضيتنا هي الأفضل، ولكن علينا أن نصر على جعلها أفضل، هذا الذي يتضمن نقدا مستمرا.
المخلص
جو. أورويل
(مكتوب على الآلة الكاتبة)

[1]  الجملة تستبق ما سيذكر في رواية "1948"
[2]  السابق
[3]  قارن برواية "1984": "كتب ونستون: إن كان هناك أمل، فهو موجود عند البروليتاريا".


[i]  يشير أورويل إلى توقف الانتخابات العامة في بريطانيا من عام 1935 وحتى عام 1945 بسبب الحرب العالمية الثانية، هذا الذي أدى إلى كون من هم أقل من 26 غير مشاركين بأصواتهم في هذه الفترة، علما بأأن سن التصويت في إنجلترا آنذاك كان يبدأ من 21 عاما (أ.ز)