إعادة قراءة رباعية الإسكندرية للورانس داريل
مقال لجان موريس*
*مؤرخة وكاتبة أدب رحلات ومراسلة صحفية ويلزية
ترجمة: أمير زكي
نشرت بجريدة أخبار الأدب 25 مارس 2012

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.

***
لورانس داريل الذي ولد من 100 عام، معروف برباعية الإسكندرية؛ التي هي دراسة عن الحب الحديث، مع حبكة ممتلئة بالمفاجآت، هناك صدمات حول كل ركن مترب.
"رباعية الإسكندرية" للورانس داريل هي رباعية محتفى بها من الخمسينيات، وهي مُعرّفة من الكاتب على أنها "بحث في الحب الحديث". ولكنها كثيرا ما تُعتَبَر من قبل قراءها على أنها استعادة لذكريات المدينة – صاحبة العنوان الإسكندرية اليونانية العربية متعددة الأعراق. غالبا فتنويعات لا نهائية للحب يمكن استكشافها حقا في صفحاتها الألف العجيبة، وحضور الإسكندرية بالتأكيد يتخلل العمل، ولكني أعتقد أن الإعجاب الأسطوري بالرباعية هو وجودي في جوهره. العمل نفسه أعظم من موضوعاته، وهو يلقي بسحره ليس فقط بشكل انفعالي صرف، أو طبوغرافي على وجه الخصوص.
هي ليست تدور بالتحديد أو بوجه خاص حول شيء ما. هي رواية تجريبية في عصرها، ربما ترتبط بأعمال صديق داريل، هنري ميلر، ربما ليوليسيس. إنها تنطلق من افتراض أن الناس والأحداث يبدون مختلفين عندما تتم ملاحظتهم من زوايا وفترات مختلفة، وأنه من الأفضل أن تتم ملاحظتهم، كما فعل داريل نفسه، بشكل مجسم. المجلدات الأربعة تهتم بنفس الشخصيات، ولكن كل من الساردين العديدين يسردون قصص الرواية المعقدة من وجهة نظرهم، وهم يكتبون في فترات مختلفة. يزعم داريل أن هذه حيلة تجلب مبدأ جديدا للواقع، تعكس أفكار فرويد وآينشتاين ولقاء الميتافيزيقا الشرقية مع الغربية.
إن كان هذا يبدو مفرطا، حسنا، الرباعية نفسها ليست بلا ادعاء، في مبدأها كما في عرضها. كما هو معترف به عامة، إنها مزخرفة عادة، وفيها فرط كتابة، أحيانا إلى الحد الساخر. الطموح الأعلى في مخططها يمكنه أن يجعل سارديها وشخصياتها مرتبكة بشكل غير مفهوم، ومثقفها يستخدم كلمات مثل (الطهارة، الوعي، التنبؤ، العرافة) ولكن إن دققنا، فسنقرأ بدون أن نسرع، هناك العديد من الفقرات عظيمة الإلهام والوصول إليها يجعلك تشعر بالانطلاق من الأنهار الضئيلة نحو مياه البحر المتوسط الصافية الزرقاء الرائعة.
حقيقي أن مدينة الإسكندرية تلون العمل كله. داريل عاش وعمل في المدينة من 1942 حتى 1945، واعتقد بشكل قوي في تأثير المكان على طابع الناس. طابع الإسكندرية المشرقي الغريب، كما كان موجودا في وقت داريل، موجود بشكل كبير في تلك الصفحات. استجاباته للمكان الذي تحدث عنه جزئيا إ. م فورستير، في عمله الرائع "الإسكندرية، التاريخ والمرشد" والذي نشر لأول مرة عام 1922، وبشكل أخص الشعراء السكندريين العظام – كونستانتين كافافي، الذي مات عام 1933، ولكن وجوده المتكرر في كتبه غالبا ما يكون مثيرا كحضور المدينة نفسها.
إنه كافافي الذي كتب عن الإسكندرية "لا توجد أرض جديدة، يا صديقي، لا/ أنهار جديدة، لأن المدينة ستلاحقك، / ونفس الشوارع ستمضي فيها للأبد..." واحد من ساردي العمل يضيف أيضا، أعتقد نسيم في "جوستين": "المرء هو مجرد امتداد لروح المكان". الساردون المتعددون في "الرباعية" مُستًعَبدون تماما لروح الإسكندرية، والقراء غالبا متورطون أيضا، لأن العمل الغامض جدا في السياقات الأخرى، يكون واضحا بما يكفي عندما يتعامل مع المدينة. نتعلم سريعا جغرافيا المكان، من شارع فؤاد الجميل، إلى شوارع العرب الخلفية، من فندقي لوتيل وسيسيل إلى مقاهي الحشيش بالأحياء الفقيرة، أو المناطق الرملية بالصحراء الغربية. نحن نجد بداخل المنازل كوزموبوليتانيين ودبلوماسيين أغنياء، ونزور الغرف العالية الخانقة، والمواخير وبيوت الدعارة بجانب البحر.
هذه حقائق أكثر من كل شيء، داريل أسس العديد من خياله على خبرته الشخصية، الذكريات والنميمة التي أعطت للرباعية، بالنسبة لمعاصريه، شيئا به سحر الروايات الواقعية الفرنسية، ليس فقط في إحالاتها الجنسية. في الحقيقة فالحسي عموما هو أكثر طابع سكندري في الرباعية، ولكنه يظهر نفسه أيضا، بشكل تمثيلات ضبابية للجنس الفردي – "الحب الحديث" كما قال داريل. "أمواج إيروس الزرقاء القاتمة" بعيدة عن أن تكون بورنوجرافية. في بعض الأحيان نحن لا نكون متأكدين في الحقيقة من يحب من، وفي لحظة أو أخرى نجد تنويعات من المثلية الجنسية أو التشبه بملابس الجنس الآخر، ولكن غالبا فعناصر الحب مباشرة ومثيرة للانفعال، وهي تسيطر حقا – كما يشير داريل – على الاستمرار المراوغ للحبكة.
الرباعية ممتلئة بالمفاجآت، يمكنني أن أقول بعضها فرويدي أو آينشتايني في أصلها، أو متعددة الثقافات ميتافيزيقيا، ولكنها تبدو لي تقلبات لكاتب إثارة محترف، أقرب للو كار (كاتب جاسوسية بريطاني) منها لجيمس جويس، وأحيانا متورطة في الميلودراما – "وَحْل الحبكة والحبكة المضادة" كما تُعرّفها إحدى شخصيات داريل، وهذه الكتب ممتلئة بالذرى الجيدة، ولكنه أيضا سارد قصة جيد، ماهر في تقنية الإثارة والخدع. أيها القارئ إحرص من الصدمات التي تأتي دوما من الأركان المتربة.
الكتب الأربعة ظهرت أولا بشكل منفصل – جوستين في 1957، بالتزار وماونت اوليف في 1958، كليا في 1960. عُرِفَت فورا على أنها أعمال فنية متميزة، ولكن الحكم على العمل ككل، رغم أنه جدير بالاحترام، كان مختلطا. النقاد الفرنسيون أحبوه. الأمريكان انبهروا به. النقاد الإنجليز لم يكونوا متأكدين جدا. داريل المغترب جل حياته، لم يكن معجبا بالثقافة الإنجليزية ونثره المفصل لم يكن جاذبا جدا لرجال الأدب المتزمتين كأجنوس ويلسون الذي دعاها بأنها مبتذلة ومزخرفة. تظاهرها تم تقليده، شطحاتها الطليعية تم اقتباسها، وعلى الرغم من أن الكتب حصلت على نجاح تجاري، إلا أنه لم يكتب شيئا ناجحا تجاريا بعدها.
ولكن العمل كله نفسه، البناء الخيالي العظيم، واجه اختبارات الزمن والذائقة، ولم يتوقف عن الطبع – وربما لن يتوقف. نصف قرن بعد اكتماله، هذه الابتذال المزخزف والتظاهر الحداثي، بدا أنه لم يعد مصادفة بالنسبة لطعمه الفريد، الذي يظل في الذهن لمدة أطول من الحبكات المربكة (لأن آلاف موجودة، ومربكة) والتي نسيت.