اقتباسات من رواية اﻷب الروحي لماريو بوزو

ترجمة: صادق راشد

الاقتباسات من اختيار: أمير زكي

"كان بارازي لا يخشى الشرطة، ولا يخشى المجتمع، ولا يخشى الله، ولا يخشى الجحيم، ولم يكن يخاف الناس أو يحبهم بيد أنه اختار واصطفى – اختار أن يحب وأن يخاف دون كورليوني".
***
"ثمة أشياء ينبغي أن تعمل وتقوم بها فعلا ولكن لا تتحدث عنها أبدا.. ثم أنه لا حاجة بك إلى أن تبررها، فإنها لا يمكن أن تبرر..! إنك تنفذها فحسب، وعندئذ تنساها".
***
"أتعرف أنني سألت الدون مرة أخرى أن يلحقني بعمل في منظمته، غير أنه أبى أن يمنحني إياه..؟ كنت قد سئمت قيادة شاحنات النقل، وكنت راغبا في جمع قدر كبير من المال، فهل تعرف ما قاله لي..؟ قال إن لكل امريء قدرا واحدا، وأن قدري أن أكون فنانا – وهو يعني بذلك أنني لا أستطيع أن أكون رجل عصابات".
***
"وقال فيتو كورليوني: سأحاول أن أقنعه بالمنطق.
وكان قد اكتسبت هذه الجملة شهرة فيما جاء من الأعوام.. كان أن أصبحت النذير الداوي المجلجل الذي يسبق الضربة القاضية. فعندما صار فيتو هو الدون كان يسأل خصومه أن يجلسوا إليه ليحاول أن يقنعهم بالمنطق، وعندها يدركون أن تلك آخر فرصة تسنح لهم لتسوية الأمور دون قتل وإراقة للدماء".
***
"... ولكن فيتو كورليوني – منذ مصرع أبيه – عاش في ظل حكم بالاعدام.. فهو كصبي في الثانية عشرة انطلق هاربا من الجلادين وعبر المحيط إلى بلاد غريبة، واتخذ لنفسه اسما غريبا.
وأعوام من التأمل الهاديء أقنعته بأن له من الذكاء ومن الشجاعة أكثر مما لدى الرجال الآخرين. وإن كانت الفرصة لم تسنح له أبدا بأن يستخدم هذا الذكاء أو هذه الشجاعة".
***
".. في رأي الدون أن الالتجاء إلى الوعيد هو أحمق ما يفضح به الإنسان نفسه، وانفجار الغضب دون تفكير وترو هو أخطر انطلاق لنزوات المرء وأهوائه، فما من أحد سمع الدون في يوم من الأيام يتفوه بكلمة وعيد مكشوفة، وما رآه أحد يطلق العنان لغضبة متفجرة.
هذا أمر لا يُتصوَر في الدون".
***
"كان هاجين يدرك أن رجال الشرطة يؤمنون بالقانون والنظام بطريقة غريبة ساذجة، فهم أشد بهما إيمانا من الجمهور الذي يقومون على خدمته. فالقانون والنظام هما العصا السحرية التي يستمدون منها سلطتهم – تلك السلطة الذاتية التي يقدسونها كما يقدس أي إنسان ما له من سلطة شخصية. ومع ذلك فثمة دائما في أعماقهم تمرد كامن ضد نفس الجمهور الذي يخدمونه.
فباعتبارهم حماة، فالجمهور جاحد، بذيء اللسان، جشع لا حد لمطالبه – وباعتبارهم فريسة فالجمهور خطر، كثير الافلات، مليء مكرا وخداعا.
فرجال السياسة يستخدمون الأساليب غير المشروعة كي يفلت المتهم، والقضاة ينطقون بأحكام خفيفة مع إيقاف التنفيذ ضد أشد السفاحين سفكا للدماء، وحكام الولايات ورئيس الولايات المتحدة نفسه يصدرون عفوا شاملا مستندين إلى أن المحامين المحترمين لم يظفروا بعد بأحكام بالبراءة.
وما أن تنقضي فترة من الوقت حتى يبدأ رجل البوليس في أن يتعلم.
لِم لا ينال لنفسه هذه الأتعاب التي يدفعها القتلة السفاحون، وهو إليها في حاجة أشد وأقوى..؟ أطفاله – لم لا يلتحقون بالكليات..؟ وزوجته – لِم لا تتسوق من المتاجر المرتفعة الأسعار..؟ وهو نفسه – لِم لا يستمتع بالشمس في فلوريدا في عطلات الشتاء..؟
وبعد، فإنه يجازف بحياته، وما هذا بالأمر الهين.
بيد أن الشرطي عادة يقيم حدا فاصلا ضد قبول الرشوة القذرة.
إن الشرطي قد يأخذ نقودا ليترك مكاتب المراهنات تباشر عملها – وقد يأخذ نقودا من رجل يكره أن يتلقى المخالفات عن إيقاف سيارته في الأماكن المحظورة أو مخالفات تجاوز السرعة – وقد يسمح لفتيات المواعيد التليفونية أو البغايا بممارسة تجارتهن، وذلك مراعاة لظروفهن، ثم أن تلك عند الناس رذائل طبيعية.
ولكن الشرطي عادة لا يقبل رشوة عن المخدرات، أو عن السطو المسلح، أو عن جرائم الاغتصاب، أو عن القتل والاغتيالات، أو عن شتى أنواع الفساد والانحرافات، فعنده أن في هذا انتقاصا لصميم سلطته الذاتية، وأنه أمر لا يمكن تأييده أو التغاضي عنه".
***
"إن هؤلاء الرجال جميعا قوم يحسنون الاستماع ومطبوعون على الصبر، وكان بينهم جميعا شيء مشترك، ذلك أنهم كانوا أفذاذا وشواذا متفردين.. إنهم رجال رفضوا الخضوع لحكم مجتمع منظم، رجال رفضوا أن يحكمهم الرجال الآخرون. فما من قدرة قوما من إنسان يملك أن يخضعهم لإرادته إلا أن يكون ذلك بمحض إرادتهم الشخصية".
***
"ونهض تاتاليا واقفا ليحييه، وتعانق الرجلان، وقبل كل منهما وجنات صاحبه.
وصفق الدونات الآخرون الحاضرون في القاعة، ونهضوا جميعا وقوفا، ليصافح كل منهم من هو قريب منه، وليهنئوا دون كورليوني ودون تاتاليا على صداقتهم الجديدة.
لعلها ليست أمتن الصداقات في العالم، ولعلهما لن يتبادلا هدايا التهنئة في أعياد الميلاد. ولكن أحدا منهما لن يقتل الآخر.
وتلك في دنياهم هذه صداقة كافية، وهي كل ما يحتاجان إليه".
***
".. كلمة مافيا كانت تعني في الأصل المكان الذي يلجأ إليه المرء ويلوذ به، ثم أصبحت علما عاما على المنظمة السرية التي تكونت للكفاح ضد الحكام الذين سحقوا البلاد وأهلها قرونا بعد قرون. فصقلية كانت أكثر البلاد تعرضا للسلب والنهب والمظالم، ومحاكم التفتيش فيها عذبت الفقراء والأغنياء على السواء، وملاك الأرض ورؤساء الكنيسة الكاثوليكية بسطوا سلطانهم المطلق على رعاة الأغنام والفلاحين وتحكموا فيهم. أما البوليس فكان أداة طيعة في أيديهم، ولهذا أصبح من المتعارف عليه أن إطلاق كلمة بوليس على أي صقلي هي أكبر سبة توجه إلى إنسان".
وفي مواجهة السلطة الوحشية المطلقة تعلم أولئك المعذبون أن لا يكشفوا أبدا عن غضبهم وحقدهم خشية أن يسحقوا تحت الأقدام.. تعلموا أن لا يجعلوا من أنفسهم هدفا للوقوع في يد الأعداء وذلك بعدم التفوه بأي نوع من التهديد، ما دام مثل هذا النذير كفيلا بأن يضعهم موضع الانتقام.. لقد تعلموا أن المجتمع هو عدوهم اللدود، ولذلك حين ينشدون الإنصاف من مظالمهم فإنهم يلجأون إلى التمرد السفلي الخفي – إلى المافيا.
ودعمت المافيا سلطانها بأن ابتدعت "الأومرتا" – قانون الصمت والكتمان.
ففي المناطق الريفية من صقلية إذا جاء غريب يسأل عن الطريق إلى أقرب مدينة فإن أحدا لن يجامله بالإجابة. وأشنع جريمة يمكن أن يرتكبها عضو في المافيا هي أن يفشي للشرطة اسم الرجل الذي أطلق النار أو أنزل به أي نوع من الإيذاء.
وهكذا أصبحت "الأومرتا" عقيدة دينية للشعب.
والمرأة التي قتل زوجها لا يمكن أن تذكر للبوليس اسم قاتل زوجها، ولا حتى اسم قاتل طفلها، أو اسم من اغتصب ابنتها.
والعدالة لا يمكن أن تصدر عن السلطات الحكومية، ولذلك كان الناس دائما يلجأون إلى المافيا، الشبيهة بذلك البطل الشهير روبن هود.
وحتى اليوم ما زالت المافيا تقوم إلى حد ما بدورها المعهود، وما زال الناس يسعون إلى رئيس المافيا ينشدون عونه في كل مسألة خطيرة.
إنه هو مرشدهم الاجتماعي، وهو رئيس المنطقة الذي يخف إليهم بسلة من الطعام وبالعمل، وهو حاميهم ومنقذهم".
***
"كان الدكتور تازا يقرأ كل شيء عدا الأبحاث الطبية التي كان يعترف بأنه لا يفهم منها شيئا. وقد اجتاز الامتحانات الطبية وحصل على مؤهله العلمي بمساعدة أقوى رئيس للمافيا في صقلية، وذلك أن هذا الرئيس قام برحلة إلى باليرمو ليباحث أساتذة تازا في الدرجات العلمية التي ينبغي أن يمنحوها له. وتبين مايكل من هذا كيف أن المافيا في صقلية تسري كالسرطان في المجتمع الذي تعيش فيه، فالكفاية لا أهمية لها، والموهبة لا تعني شيئا، والعمل لا يعني شيئا – فالأب الروحي للمافيا هو الذي يقدم إليك مهنتك هدية منه".
***
".. أول خطو اتخذها البوليس الذي أوفده موسوليني لتطهير صقلية من المافيا هي أنه أمر بهدم جميع الأسوار الحجرية في صقلية بحيث لا يزيد ارتفاعها عن ثلاثة أقدام حتى لا يتخذ منها السفاكون ببنادقهم (اللوبارا) دروعا للكمئن التي يدبرونها لضحاياهم. ولم تكن لهذا الإجراء فائدة كبيرة، فما كان لوزير الشرطة سبيل إلى حل مشكلته إلا باعتقال كل من يشتبه في أنه عضو في المافيا ونفيه إلى المستعمرات المخصصة للمحكوم عليهم بالأشغال الشاقة.
وعندما حررت القوات المتحالفة جزيرة صقلية اعتقد موظفو الحكومة العسكرية الأمريكية أن كل من اعتقله النظام الفاشيستي كان من أنصار الديموقراطية، فعيّن كثير من رجال المافيا عمدا للقرى أو مترجمين للحكومة العسكرية. ومكن هذا الحظ المواتي المافيا من أن تعيد بناء نفسها، وأن تصبح أكثر قوة وثباتا مما كانت من ذي قبل".
***
"قال (مايكل): أتعرفين أنني عندما رجعت إلى الوطن لم أكن سعيدا كما تصورت عندما رأيت أهلي..؟ أبي، وأمي وأختي كوني، وتوم..؟ كانت مشاهدتي لهم لطيفة ومبهجة، ولكن حقيقة لم أكن مهتما بالأمر. ثم عدت الليلة إلى البيت ورأيتك في المطبخ – وعندئذ كنت سعيدا، فهل هذا هو ما تسمينه الحب..؟
وقالت كاي: هذا كاف في نظري".
***
"إن أبي رجل أعمال يحاول أن يؤمن الحياة لزوجته، ولأولاده، ولأولئك الأصدقاء الذين قد يحتاج إليهم في يوم ما من أيام المحن والمشاكل.. وهو رجل لا يخضع لأحكام المجتمع الذي نعيش فيه، وذلك لأن هذه الأحكام تقضي عليه بحياة لا تلائم رجلا من طرازه، لا تلائم رجلا له قوة خارقة وطباع خارقة .. والشيء الذي يجب أن تفهميه هو أنه يعتبر نفسه ندا لكل أولئك العظماء من أمثال رؤساء الجمهورية ورؤساء الوزارة أعضاء المحكمة العليا وحكام الولايات.. إنه يرفض أن يخضع إرادته لإرادتهم.. إنه يرفض أن يعيش بقواعد يسنها الآخرون، قواعد تقضي عليه بالحياة الذليلة الانهزامية.. بيد أن هدفه الأساسي هو أن يقتحم هذا المجتمع مسلحا بقدر معين من القوة ما دام المجتمع لا يحمي أعضاءه المجردين من القوة الشخصية الخاصة بهم.. وهو خلال هذه الفترة يعمل ويتصرف طبقا لناموس أخلاقي يعتبره أرقى من كل أوضاع المجتمع القانونية".
***
"إنني أؤمن بأسرتي.. وأؤمن بالأسرة التي قد ننشئها.. ولست أثق بأن المجتمع سيحمينا، وليس في نيتي أن أضع مصيري في يد رجال كل أهليتهم أنهم استطاعوا أن يخدعوا جماعة من الناس لكي ينتخبوهم".
***
"إنه يفهم النساء، وقد فهم الآن أنها حاقدة عليه لأنه نال كل ما يشتهي وأن الأمور تسير على هواه.. إن المرأة تكره أن ترى رجلها ناجحا أكثر مما ينبغي، ففي هذا ما يثير قلقها، إذ يجعلها نجاحه الشاذ أقل تأكدا من السيطرة التي تفرضها على الرجل عن طريق الحب أو المعاشرة أو الروابط الزوجية".