فى رواية علاء الأسوانى الثانية شيكاجو يسعى الكاتب لتكرار الأسلوب الفنى لروايته الأولى ، ربما ليحصل على نفس النجاح الجماهيرى الذى حصل عليه فى رواية عمارة يعقوبيان ، فهو يبدأ كما بدأ فى رواية عمارة يعقوبيان – مع اختلاف طفيف فى الترتيب – بالعرض التاريخى لمكان الرواية ، وهو هنا مدينة شيكاجو ، وهذه افتتاحية موفقة تعرض للقارئ ملامح المسرح الذى ستدور عليه الأحداث ، ولكن توفيق الافتتاحية (التى تشترط من داخلها أن تكون محايدة) شابته ثغرة واحدة وهى التحيز ضد مذابح الهنود . أخلاقيا فمن الأفضل أن نقف جميعا ضد مذابح الهنود ولكن أدبيا – ومن داخل هذا الأسلوب – لا يكون التدخل وإبداء الرأى موفقا .

بعد المقدمة المكانية ، يبدأ الأسوانى فى عرض شخصياته ، وفقا لأسلوب هندسى تقليدى (يذكرنى بنجيب محفوظ فى زقاق المدق) ، يبدأ بتقديم شخصية شيماء محمدى ، وكان تعريفنا بها سيئا . بالطبع مهمة تعريف شخصية ما للقارئ هى مهمة صعبة ولكنى أذكر مثلا كيف قدم لنا بهاء طاهر شخصية كاثرين فى (واحة الغروب) فى فصل مبدع .

إذن فالتعريف بشيماء كان سيئا - على الرغم من طرافة فكرة الانتقال المفاجئ من طنطا إلى شيكاجو - لأن الأسوانى بدأ فى شرح مبررات الانتقال إحصائيا ، على طريقة أولا وثانيا وثالثا ، لقد قام بذلك بالفعل ، وكأننا نقرأ تقريرا صحفيا وليس رواية ، وهذه طريقة منفرة لقارئ الأدب . إلى جانب ذلك انشغل الأسوانى بحصر اليومى فى حياة الشخصية ، عن طريق الشرح التفصيلى لملابس شيماء ، للمغنين الذين تسمعهم (كاظم الساهر مثلا) . يذكر الأسوانى كل شيء حتى أنه يذكّرنا بمسلسلات التلفيزيون ، لا شك أن المعلومات قد تكون مفيدة وهذا هو الدور الأهم لهذا النوع من الروايات ، ولكن كثرة المعلومات تؤدى بالقارئ إلى الشعور بالرتابة والملل .

وتكررت المشكلة حين عرض الأسوانى للشخصية المقابلة لشيماء محمدى ، وهى شخصية طارق حسيب .

وكل الشخصيات تقريبا كانت تتصف بالتنميط والبعد الواحد ، كأحمد دنانة مثلا الذى كان نموذجه تقليديا وكاريكاتوريا ، وهو يذكرنا بشخصيات مشابهة فى أفلام مصرية عديدة ، وكذلك كرم دوس الذى ذكر نبله بشكل سريع ومفرط فى دراميته .

أما النموذج المختلف فى عرض الشخصية فكان ناجى عبد الصمد ، فهو قدم لنفسه عن طريق ضمير المتكلم ، فهو أكثر الشخصيات حميمية للقارئ ، وربما – أو على الأرجح – هو أكثر الشخصيات حميمية للكاتب نفسه .

أما أكثر الشخصيات جاذبية فكان جون جراهام ، اليسارى القديم ، إلى جانب رفيقته ، ربما تحتمل شخصية مثله بثرائها رواية كاملة ، وجون جراهام – مع رفيقته – قدمت أرضا جديدة للقارئ العربى ، لم يعتد عليها ، وقد تذكرك حالة الشخصيتين بفيلم Human Stain.

استخدم الأسوانى فى الأحداث أساليب تجارية كالقطع والتشويق وتأجيل المعلومة عن القارئ المتلهف ، وهذه أساليب غير مهينة ، فقد استخدمها دوستويفسكى فى (الجريمة والعقاب) .

ولكن الرواية عانت من مشكلة أخرى وهى الاهتمام بالقارئ الغربى (قارئ الترجمة) ، فقد اهتم الأسوانى به بشكل خاص ، حاول أن يشرح له طبيعة الحياة السياسية فى مصر وموقف الشرفاء منها ، حاول أن يشرح أن معاناة الأقباط هى جزء من معاناة المصريين كلهم ، وأن هناك فرقا بين العداء للصهيونية والعداء للديانة اليهودية (السامية) ، وهذا أسلوب دعائى أكثر منه أدبى .

وكان الحديث عن الرئيس المصرى فى الرواية جريئا وجذابا ، تحدث عن شخصيته الإنسانية بشكل مثير للابتسام ، بعيدا عن التأليه الذى كان يمارسه كتاب الصحف الحكومية لسنوات عديدة، كان تناول الشخصية طريفا ولكنه غير أدبى .

نهاية الرواية كانت مفاجئة ، كأنها لم تأت بعد تدرج كاف رغم ما يبدو من ضخامة الرواية ، وانتحار (محمد صلاح) لم يكن مقنعا ، فالانتحار يتطلب قدرا من الجرأة والشجاعة افتقدتهما الشخصية فى المشهد الذى سبق انتحاره مباشرة .

ميزة الرواية الأساسية هى كم المعلومات الفريد والمختلف الذى قدمه لنا الكاتب عن أحداث تقع فى مكان فريد وغريب عنا ، ولكن مشكلات كثيرة صاحبت عرض الكاتب لأفكاره .
***
التقييم : 4/10
***
شيكاجو
علاء الأسوانى
دار الشروق