مقدمة كتاب "أوسكار وايلد" من سلسلة "منظورات بلوم النقدية الكلاسيكية"، 2008
ترجمة: أمير زكي

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.


***
 
أوسكار الإلهي، كما يسرني أن أدعوه، هو تلميذ مباشر لوالتر باتر السامي، الذي نتج عن خوفه من تأثير جون راسكين عليه عدم ذكر راسكين في أي من كتاباته. نحن نتذكر وايلد بسبب كوميدياته المسرحية، "أهمية أن تكون جادا" بشكل خاص، وغالبا ما ننسى أنه كان ناقدا أدبيا قويا أيضا. أكثر مغامراته النقدية تفضيلا لديّ هو حواره المبهج "انحلال الكذب". هنا يقول فيفيان، ممثل وايلد، بتبصر عظيم:
"لا يوجد فنان عظيم يرى الأشياء على ما هي عليه. وإذا فعل ذلك، سيتوقف عن كونه فنانا. خذ مثالا من عصرنا، أعرف أنك مولع بالأشياء اليابانية. الآن، هل تتخيل حقا أن الشعب الياباني، كما يمثله لنا الفن، له أي وجود؟ إذا تخيلتهم كذلك فأنت لم تفهم الفن الياباني على الإطلاق. الشعب الياباني هو صنيعة مقصودة وواعية من قبل فنانين بعينهم. إذا وضعت صورة لهوكوساي، أو هوكي، أو أي رسام ياباني عظيم، إلى جانب رجل أو سيدة يابانيين، سترى أنه لا يوجد أدنى تشابه بينهما. الناس الحقيقيون الذين يعيشون في اليابان ليسوا على خلاف معظم الشعب الإنجليزي؛ يمكن القول إنهم عاديون جدا، ولا يوجد فيهم شيء مثير للفضول أو غير عادي. في الحقيقة إن اليابان كلها ابتكار محض. لا توجد مثل هذه البلاد ولا يوجد مثل هذا الشعب. ذهب أحد الرسامين الرائعين مؤخرا إلى أرض الأقحوان ولديه أمل أحمق في أن يرى اليابانيين. كل ما رأه، وكل ما استطاع رسمه، هو القليل من المصابيح وبعض المراوح".
عظمة الفقرة تتركز في الجملة بالغة الطرافة: "في الحقيقة إن اليابان كلها ابتكار محض. لا توجد مثل هذه البلاد. ولا يوجد مثل هذا الشعب". حكمة وايلد تقود إلى إعادة تعريف بارز للنقد الرفيع:
"هذا ما هو عليه النقد الرفيع أيضا، تسجيل روح المرء. إنه أكثر سحرا من التاريخ، لأنه متعلق ببساطة بالذات. وأكثر بهجة من الفلسفة، لأنه موضوعه هو الحقيقي وليس المجرد، الواقعي وليس الغامض. إنه الشكل المتمدن الوحيد من السيرة الذاتية لأنه لا يتعامل مع الأحداث ولكن مع الأفكار في حياة المرء؛ وليس حوادث الحياة المادية المتعلقة بالموت والظروف، ولكن الأمزجة الروحية والمشاعر المتخيلة للعقل".
أن تطلق على النقد "الشكل المتمدن الوحيد من السيرة الذاتية" يعني تغيير الأفكار المتعارف عليها - بشكل جميل - لكل من النقد والسيرة الذاتية. عندما أريد سيرة صمويل جونسون الذاتية أعود مسرورا إلى بوزويل. عندما أريد جونسون وهو يتحدث عن جونسون، أعود مسرورا إلى كتابه "حياة الشعراء"، عمله النقدي الأساسي. لسخرية جونسون الماكرة، أعود مسرورا إلى الليدي أوجوستا براكنيل في مسرحية وايلد "أهمية أن تكون جادا". أدب الهراء – لويس كارول، إدوارد لير، جلبرت وسوليفان – هو النوع الذي تنتسب إليه مسرحية "أهمية أن تكون جادا" نفسها؛ هي قريبة بشكل خاص من مسرحيتي "بيشانس" و"آيولانثي"[i].
 
أحب اقتباس ما أدعوه "قانون وايلد"، الذي عبر عنه ألجيرنون بروعة في النسخة الأصلية المكونة من أربعة فصول من "أهمية أن تكون جادا":
"خبرتي في الحياة تقول إنه عندما يتفوه المرء بكذبة، يتم التدليل عليها من كل الجوانب. وعندما يقول المرء الحقيقة، يبقى وحيدا جدا في موقف مؤلم، ولا أحد يصدق كلمة مما يقول".
هذا يردد بقوة صدى إعلان فيفيان في "انحلال الكذب":
"إنهم لا يتجاوزون مستوى سوء التمثيل، وفي الحقيقة يتنازلون من أجل الإثبات والنقاش والجدل. كم يختلف هذا عن طبع الكاذب الحقيقي، بتصريحاته الواضحة الخالية من الخوف، وتخليه العظيم عن المسئولية، وترفعه الطبيعي والصحي عن أي دليل من أي نوع! في النهاية، ما هي الكذبة الجيدة؟ إنها التي تحتوي ببساطة على دليلها الخاص. إذا كان هناك إنسان يعوزه الخيال بما يكفي لإنتاج دليل يدعم الكذبة، ربما يستطيع أيضا أن يتحدث عن الحقيقة على الفور".
فَهِم أوسكار بعمق أن الحقيقة هي الموت، بالتالي فالخيال يمكن أن يحيا فقط بخلق سرديات عن النفس.نبعت مأساته الشخصية من كونه ولد في زمن غير مناسب له. في زمننا، لن تجعله الإيروتيكية المثلية شهيدا. بقت حكمته مثلما بقت بديهته. لسنوات عديدة قمت، بلا جدوى، بحثّ الجامعات على أن تنقش على أبوابها تحذيره العظيم: "كل الأشعار السيئة صادقة".


[i]  مسرحيتان لجلبرت وسوليفان Gilbert and Sullivanعرضتا في عاميّ 1881 و1882