اختار الصحفي والناقد الإنجليزي روبرت مَكروم قائمتين لأفضل مائة عمل سردي وأفضل مائة عمل غير سردي باللغة الإنجليزية، وكتب مقالًا يخص كل عمل منهم. نترجم في هذه السلسلة بعض هذه المقالات.
قائمة مكروم | صورة دوريان جراي ﻷوسكار وايلد (1891)
ترجمة: أمير زكي
الترجمة خاصة بـ Boring Books
يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.
***
من بين كل كتب هذه السلسة، حظيت رواية أوسكار وايلد الوحيدة بأسوأ استقبال في وقت نشرها، كانت المراجعات عن الرواية بشعة، والمبيعات محدودة، ومرت العديد من السنوات بعد وفاة وايلد حتى تم التعامل مع عمل المخيلة المميز هذا على أنه عمل كلاسيكي.

ظروف ظهور الرواية أحاطتها المشاكل أيضا. قُدمَت إلى محرر أمريكي بمجلة ليبينكوت الشهرية في صيف عام 1889، قدم وايلد مبدئيا حكاية خيالية بعنوان "الصياد وروحه" ورفضت. في النهاية، النسخة المكتوبة على الآلة الكاتبة من "صورة دوريان جراي" وصلت في أبريل عام 1890، ليعلن محرر ليبينكوت أن الرواية "بحالتها الحالية تحتوي على عدة أشياء ستستثنيها المرأة البريئة".

في ضوء العديد من المراجعات التالية، فهذا يعتبر نقدا خفيفا بالمقارنة بها. وايلد نفسه كان صلبا في الدفاع عن رؤيته ككاتب؛ أصر دوما على أن الفكرة الفاوستية في دوريان جراي؛ "فكرة شاب يبيع روحه في مقابل الشباب الدائم" كانت "قديمة في تاريخ الأدب". ولكن عندما أضاف للقصة التقليدية دفعة معاصرة مذهلة، بتضمينات مثلية جنسية قوية، آثار الصخب والعداء.

بإعادة قراءتها اليوم، "صورة دوريان جراي" هي حكاية مسلية رائعة عن المثال الاستطيقي (الفن للفن)، وعرض مسبق عابر للمسرحيات الرائعة التي عرضت له مثل "أهمية أن تكون إرنست" و"مروحة السيدة ويندرمير". ما بدأت به على أنها رواية قصيرة شاذة ومنحطة، تبدو الآن تدريبا جذابا، مثلي قليلا، في القوطية الفكتورية المتأخرة، أكثر منها سردا فاسدا كما زعم النقاد.

دوريان جراي شاب ذو جمال لا يقارَن يصبح موضوع بورتريه لرسام رائج حديث؛ بازيل هولوورد. عندما قدَم الفنان - الذي أصبح مفتونا بالموديل - "أدونيس الشاب" للورد هنري ووتون، أُغري الشاب سريعا ببديهة رفيقه وإخلاصه الفاسد للذية نهاية القرن التاسع عشر، بعض من تلك اللذية كانت مستلهمة من خبرة وايلد الشخصية.

من ضمن التأثيرات التي شَكّلت الكتاب، أزعم أن ديزرائيلي[i]هو الأب الروحي الشبحي للرواية. لم يرفع وايلد قبعته فقط لرواية "سيبيل" لديزرائيلي، ولكن أيضا لرواية فيفيان جراي؛ روايته الأولى. تأثر وايلد أيضا من روبرت لويس ستفنسون القريب من زمنه بروايته "الحالة الغريبة لدكتور جيكيل ومستر هايد". هناك شيئا متعلق بالأنا الأدبية البديلة مَثّل فتنة غريبة للفيكتوريين المتأخرين.

بسبب التأثير الفاسد للورد هنري – "الطريقة الوحيدة للتخلص من الإغراء هي الإذعان له"، هي واحدة من العديد من الأمثلة الوايلدية المتناثرة في النص - ينغمس دوريان جراي في مناخ فاسد وشرير، يصبح عبدا للمخدرات والزنا. علاقته الغرامية المميتة مع الممثلة سيبيل فين تكشف له سر شبابه الخالد. سيظل غير ملوث بينما يعكس البورتريه الخاص به الفساد البشع لروحه.

وهو يائس في النهاية، يلوم الشاب الفنان هولوورد على قدره، ويقتله، ولكن دوريان جراي لا يمكنه أن يشعر "بسلام" أبدا. في النهاية، وفي ذروة مرعبة، يغرس سكينا في البورتريه. وعندما يجده الخدم؛ تمثل الصورة سيدهم الشاب كما عرفوه. أما الجثة التي بجانبه فهي "مجعدة، وذاوية وكريهة المنظر". كما كان البورتريه. الفن والحياة عادا للانسجام، كما قصد وايلد، والحكاية الأخلاقية الرائعة الدالة اكتملت.

عندما نُشرَت نسخة المجلة من "دوريان جراي" كانت هناك صيحات اعتراض. بعض المراجعين أعلنوا أنه إلى جانب عرض اللا أخلاقية، فوايلد أراد الترويج لها. في مكان آخر، استقبل المراجعون البريطانيون القصة بالغضب ، هذا الذي قاد وايلد للدفاع عن روايته في رسائل إلى الصحافة. أحد المراجعين لأحد الصحف – وكان قد صرح أن مجلة ليبينكوت يجب أن "تخجل من نشر" مثل هذه القذارة - رفض وصف محتويات الرواية لأنه لم يرغب في "الترويج لتنامي الشبق الذي يمارسه القلة".

إلى جانب الحديث عن المحاكمة؛ كانت هناك إشارة قوية للرهاب من الثقافة الفرانكوفونية Francophobia ضد "الكتاب الأصفر" الفاسد الذي جعل دوريان يهب نفسه لإيمانه بـ "الفن". الديلي كرونيكل وجدت الرواية "حكاية تنامت من العدوى الأدبية من المنحطين الفرنسيين". بشكل أكثر خطورة كانت محاولات بعض المراجعين لربط الرواية بقضية شارع كليفلاند عام 1889؛ تلك الفضيحة المتعلقة بماخور للذكور كان يتردد عليه زبائن من الطبقة العليا من ضمنهم أعضاء من النخبة السياسية البريطانية، هذا الذي كان نذيرا غريبا - في عرضه للعالم السفلي - لقضية قذف ماركيز كوينزبري التي ستدمر وايلد في النهاية.
ملاحظات على النص
"صورة دوريان جراي" - وهي رواية وايلد الوحيدة - نشرت في 20 يونيو عام 1890، في عدد يوليو من مجلة ليبينكوت، كرواية قصيرة من 13 فصلا، وكانت الإسهام الأكبر في المجلة. العديد من المراجعين البريطانيين أدانوا الرواية ووصفوها بأنها لا أخلاقية. أصبحت الرواية مثيرة للجدل حتى أن شركة و.هـ سميث سحبت عدد الشهر من ليبنكوت من أكشاك الكتب بمحطات القطار.

في الحقيقة، قام محررو المجلة - الخائفين من الاتهام بـ "الفعل الفاضح" - بحذف حوالي 500 كلمة بدون علم وايلد قبل النشر. الحذف من نسخة وايلد المكتوبة على الآلة الكاتبة تضمن حذف عدة فقرات تشير إلى الرغبة المثلية الجنسية، وحذف ثلاث إشارات لحبيبتيّ جراي سيبيل فين وهيتي ميرتون على أنهما "عشيقتيه". علينا أن نقول إن وايلد واجه هذه الحملة بهدوء وكرامة مذهلين.

في وقت لاحق، راجع وايلد نفسه القصة من أجل نشر الكتاب، وصنع تبديلات مهمة، حاذفا أكثر الفقرات إثارة للجدل، وأضاف فصولا جديدة، وضَمَّن مقدمة أصبحت من وقتها شهيرة في ذاتها كدفاع عن الفن للفن. النسخة المعدلة امتدت من 13 فصلا إلى 20، ونشرت في كتاب واحد عن دار وورد لوك آند كومباني في أبريل عام 1891. وتعتبر هذه هي النسخة المعروفة من النص الآن.


[i]  بنيامين ديزرائيلي Benjamin Disraeli (1804-1881) كاتب بريطاني من رواياته "سيبيل"، و"فيفيان جراي" اللتان ستذكران لاحقا، مكروم يضع رواية "سيبيل" ضمن المائة رواية التي يكتب عنها.