اختراق الحداثة
(الفصل السادس من كتاب مِحَن الحداثة العربية لطارق العريس*)
Trials of Arab Modernity – Tarek El-Ariss – Fordham University Press - 2013
 
ترجمة: أمير زكي
 
* طارق العريس؛ أستاذ مساعد في الدراسات العربية بقسم الدراسات الشرق أوسيطة بجامعة تكساس، أوستن. حصل على البكالوريس في الفلسفة من الجامعة الأمريكية ببيروت (1994)، والماجستير في الدراسات السينمائية من جامعة روشستر (1997)، والدكتوراة في الأدب المقارن من جامعة كورنيل (2004).
 
 
يحتفظ الكاتب بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.
 
 
 
"لم أكن أعرف أن هؤلاء الناس موجودون. لم أكن أعرف أنه عندما يخرج الناس إلى الشوارع سيكونون أناس مثل هؤلاء. كنت أعتقد أن مبارك قضى على الروح لدى المصريين".
 
- خالد فهمي، تاريخ التعليم العالي، 30 يناير، 2011
 
"إنهم متقدمون عنا في هذا العصر الجديد؛ وعلينا أن نلحق بالركب"
 
- محمد إبراهيم، الجزيرة العربية، 3 فبراير 2011
 
"نحن لسنا مُسَيَّسين"
 
- متظاهر مجهول من ميدان التحرير، راديو البي بي سي العربية، 6 فبراير 2012
 
 
مع تنامي التدوين العربي، وتبادل الرسائل الإلكترونية، والمحادثات، والرسائل القصيرة، والأشكال الأخرى من الكتابة-التكنولوجية، يمر الأدب العربي المعاصر بسلسلة من التحولات البنيوية واللغوية. بشكل خاص، استهل اللقاء مع الافتراضي وتأثيرات العولمة مجموعة جديدة من الإشارات المتناصة التي تتقاطع مع اللغات والإعلام والأنواع. جيل جديد من الكتاب العرب يدخل مشهد الكتابة من عالم التدوين وكتابة السيناريو، ناشرا المدونات كروايات. بالإضافة إلى ذلك، العديد من الروائيين الشباب وظفوا بنية المدونات في إنتاجهم الأدبي، البعض أخفى هويته الحقيقية بأسماء مستعارة، والبعض الآخر أظهرها بتخيل سرديات القمع والرقابة[i]. تظهر كتابة عربية جديدة من هذا التفاعل بين الافتراضي والمطبوع، وبين الكتابة المتأملة والانفعالية، باللغتين العربية والإنجليزية. في تلك النصوص نجد كلمات إنجليزية موضوعة بالحروف اللاتينية أو مُعرَّبة؛ تجزؤ وظيفة السارد؛ والتكرار، وتخريب متنوع لبنية السرد. في العديد من الأحوال يظل الاختلاف بين المدونة والرواية غير واضح. بالنسبة لماري تريز عبد المسيح: "جيل البيئة الإلكترونية يتنكر من أحوال السرد السابقة"[2]. تقدم هذه الكتابة – الممتلئة  بالانفعالات affects والانقطاعات - تناصا متفاعلا يستدعي الاهتمام بشكل متزايد بالطريقة التي يُقرَأ ويُتَرجَم بها الأدب.
 
الانفعالات في النصوص الجديدة التي تعبر عن الانزعاج والغضب، لا يمكن أن تنفصل عن الانفعالات الجسدية التي ولّدتها الثورات من تونس إلى سوريا بداية من 2010. مشاهد الكتابة والتظاهر يعملان جنبا إلى جنب لعرض إنتاج التغيير الجمالي والسياسي. على الرغم من أن هذه العلاقة تتطلب بحثا أكبر، يمكن للمرء أن يزعم أن مطالب حقوق الإنسان والتمثيل المتساوي والفرص الاقتصادية من جهة، والدخول غير المسبوق في أشكال التواصل من الطباعة إلى المواقع الاجتماعية من جهة أخرى، تضع الكتابة الجديدة إلى جانب البيئة الاجتماعية؛  وتؤدي إلى إدراك التفاعل الديناميكي الذي يوضح العلاقة بين الكتابة والسياسة في البيئة التكنولوجية والاجتماعية التي تتغير بتسارع. إنها أيضا ترسخ هذه التغيرات في التحولات الجمالية وممارسات النشر، تلك التي تعطل المرجعيات الأدبية وتحل محل السلطة الفكرية. هذا التفاعل ينتج إمكانيات أدبية وسياسية جديدة، تستجوب باستمرارموقع الحداثة بين أوروبا والعالم العربي، علاقة المواطن والدولة، الكاتب والقاريء عبر الأجيال وفترات الزمن وتعيد صياغتها.
 
هذا الفصل يعالج  التحولات الأسلوبية والتغيرات الإستطيقية في الكتابة العربية الجديدة. أركز على رواية الكاتب المصري "أحمد العايدي" (أن تكون عباس العبد)، وأقرأها كبيان لكتابة جديدة تتصف بالعرقلة والانفعالات والتخريب والسخرية النصيين. أناقش أن هذا الكاتب الجديد، الشبيه بالمُخترِق تسلل إلى مؤسسات النشر التي أقصته وعطّل أعراف الإنتاج الأدبي العربي. ككلمة متخذة من لغة-التكنولوجيا واستُخدمَت كفعل في نص العايدي؛ يعمل "الاختراق hacking" كحال تخريب يُمَكِّن الجيل الجديد من الكُتَّاب ليكشفوا الأنساق السياسية والاجتماعية المحتضرة خلال لغة وإعلام جديدين. من أشكال التجسيد التي تعيق وتعيد صياغة الأنواع الأدبية (المدح، الرحلة، الرواية) في نصوص المهجر وما بعد الكولونيالية  والنهضة التي حلَّلتها في الفصول السابقة؛ أركز في هذا الفصل على تَشارُك الأنواع "الأدبية"، و"غير الأدبية" (الرسائل القصيرة، المدونات، الإعلانات، الأدعية الدينية) التي تُخَلخِل اقتصاد الرواية (الكتابة، القراءة، النشر). أناقش هذا في عمل العايدي. لم تعد الانفعالات ملتصقة بجسد المهاجر العربي المغترب في أوروبا، ولكنها بالأحرى تحدد إنتاج ولغة وتقنيات النص. هذه الانفعالات تتشكل عن طريق تكرار الجمل والكلمات، والاستخدام الشاذ لعلامات الترقيم، وتضخيم الحروف وإمالتها، والمسافات. يحركنا العايدي من التأسيس الأدبي لتجربة الحداثة إلى الكتابة المتفاعلة؛ التي تدعو القاريء ليختبر النص نفسه ويتعامل معه. تَتَكشَّف مِحَن الحداثة العربية في عمل العايدي خلال سلسلة من الأحداث المعروضة، المُجَسَّدة في عدة وقائع ولقاءات في شوارع ومقاهي القاهرة ومراحيضها العامة، وفي إنتاج وتداول النص العربي أيضا. مستخدما الأعمال النقدية لديفيد دامروش وآلان باديو وصبري حافظ ومحسن الموسوي، يواجه بحثي قراءات التوفيق syncretism والتهجين hybridity التي إما تحتفي بالكتابة الجديدة أو تقلل من شأنها  كديناميات ما بعد استعمارية العولمة.
 
 
الساحة الأدبية
 
كل من الكتاب المحققين مثل إلياس خوري (1984) وهدى بركات (1952) وجمال الغيطاني (1945)، إلى جانب الكتاب الجدد من أنحاء العالم العربي يسهمون في ازدهار المشهد الأدبي الذي يجعل الكتابة "منتعشة" مجددا. عالمين بالإنترنت وملمين بالمنتجات والتحولات التي جلبتها العولمة؛ جيل جديد يرتبط باللغة الإنجليزية لا كلغة أجنبية ولكن بالأحرى كمكون لمشهدهم الثقافي وذواتهم. من المدونات والمواقع إلى قنوات التلفزيون الفضائية، والأفلام والأدب، تنتشر الثقافة العالمية في النصوص المعاصرة. في هذا المشهد، يظهر جيل جديد من تجربة ثقافية لم تعد تُفهَم بمصطلحات الثنائيات المرتبة بعناية كالمقاومة/الإمبريالية، الشرق/الغرب، التقليد/الحداثة. المواقع الاجتماعية والتغريدات والنصوص القصيرة تتوسط تعبيرات الهويات والتجارب الجديدة. يجرب هذا الجيل مع الرواسخ اللغوية، والأنواع المختلطة، ويخاطب القاريء، ويُشَوِّش التمييز بين الافتراضي والمطبوع.
 
هذه الأصوات الأدبية تستفيد من التطور التكنولوجي والإنترنت إلى جانب تفكيك مركزية دور النشر وخصخصتها في العالم العربي. تنشر "دار الشروق" بمصر أعمالا مثل "تاكسي" لخالد الخميسي (2007)، عن يوميات راكب تاكسي قاهري، و"عاوزة أتجوز" لغادة عبد العال (2008) وهي مدونة ساخرة عن الزواج تحولت إلى رواية ومسلسل تلفزيوني[3]. "دار ميريت" الناشرة القاهرية لرواية حمدي أبو جليل "لصوص متقاعدون" تقدم أيضا صوتا للعديد من المواهب الأدبية الشابة القادمة للكتابة من عالم المدونات، والسيناريوهات السينمائية والصحافة. من رواية ياسر عبد اللطيف "قانون الوراثة" (2002) وهي رواية عن الهجرة والعودة وعلاقة الشخصية بالمدينة، إلى رواية محمد علاء الدين الحداثية للغاية "إنجيل آدم" (2006) عن شخصية مهووسة؛ متلصص يتخيل الإغراء والاغتصاب والجريمة، كُتَّاب شباب ينتجون أعمالا جديرة بالذكر. مدير ميريت، محمد هاشم، الذي حصل على جائزة جيري لابير الدولية لحرية النشر في 2006، وجائزة هيرمان كيستن من نادي القلم الألماني عام 2011، نجح في خلق دار نشر نشيطة وأيضا صالون يجتمع يوميا في مكتب ميريت بوسط القاهرة على بعد خطوات من ميدان التحرير. في هذا الصالون الجديد، يجتمع الكتاب ويناقشون الشئوون الثقافية والسياسية، وينظمون أنشطة سياسية ويراجعون المسودات، بالتالي يرسخون العلاقة بين الأدبي والسياسي، والجمالي وسياقه الاجتماعي. الجيل الجديد الذي تجاهله أو أهمله النقاد والمتابعين كجيل غير سياسي، وفج ومُستَهلِك، نجح في التحرك لثورة سياسية وثورة في الكتابة.
 
على الرغم من وجود بعض المقاومة لهذا النوع من الإنتاج الأدبي، ظهر تدريجيا اهتماما نقديا به في العالم العربي وخارجه. نشرت النيويوركر في 2010 مقالا عن السرد العربي، مسلطة الضوء على أعمال جديدة وجديرة بالذكر من ضمنها "بنات الرياض" لرجاء الصانع (2005) و"إعجام" لسنان أنطون (2004)[4]. وكجزء من مهرجان هاي، ظهرت مجموعة من 39 أديب أصغر من 39 عاما في مؤتمر ببيروت عام 2009[5]. قَدَّم هذا الحدث مواهب أدبية جديدة من أنحاء العالم العربي مكرسين عملهم كجزء مكمل للمشهد الأدبي المزدهر. بالإضافة إلى "أخبار الأدب" التي تنشر الأدب الجديد بشكل منتظم، تُقَدِّم صحف مثل "الأخبار" و"الحياة" عروضا للأعمال الجديدة، هذا الذي يجعل القراء والنقاد واعين ومهتمين بشكل متزايد بهذا الإنتاج الأدبي[6]. الدورية القاهرية "وصلة" تهتم بشكل خاص بمجال التدوين، وتنشر مقالات وعروضا اجتماعية وسياسية وأدبية[7]. دراسات أكاديمية من منيرة الغدير وصبري حافظ ومحسن الموسوي، ومارلين بوث وآخرين تركز على التحولات الجمالية في الأدب العربي الحديث، وتعالجها في سياق التغيير الاجتماعي والتكنولوجي والثقافي[8].

الاستقبال النقدي لجيل جديد من الكتاب العرب بحاجة إلى أن يُستَكشَف بالعلاقة مع استقبال المُجَدِّدين المحدثين منذ الستينيات من القرن الماضي[9]. بحث فابيو كاياني في الشعرية العربية الجديدة اهتم بالأدب منذ الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي؛ وضم أعمالا لكُتَّاب مثل إدوارد الخراط (1926) وإلياس خوري، مقدما سياقا شكلانيا لتحليل السرد المعاصر[10]. نقاش ستيفان ماير للاتجاهات المحدثة في الأدب العربي وعلاقتها بالوجودية والعبث والتأثيرات الفلسفية والأدبية الأوروبية يقدم إطارا مهما للتعامل مع الكتابة الجديدة. معتمدا على شرح بيير كاكيا وروجر آلان من ضمن آخرين.، يقرأ ماير الأدب العربي الحديث في لقائه مع السرد الأدبي الأوروبي والأمريكي، مهتما بموضوعات "الالتزام" السياسي وبنية السرد في النصوص العربية. مقارنا رواية صنع الله إبراهيم (1937) "تلك الرائحة" برواية كامو "الغريب" (1942)[11]، يناقش ماير أن جُمَل إبراهيم القصيرة والمجزأة تعيد صياغة الباطنية في عمل كامو. وعلى الرغم من أنه من الضروري أن نربط التناص الأوروبي بتحليل عمل إبراهيم والأدب العربي الحديث بشكل أعم، فمن المهم أن نتجنب حصره في مبدأ الاستعارة والتقليد خلال مسار سببي ومستقيم نابع من الغرب. كما أظهرت في الفصول السابقة، الارتباط المقارن بالأعمال العربية يتطلب تشارك دينامي وتفسير خلال السياقات الثقافية والتاريخية والأدبية.
 
تشير "تلك الرائحة" إلى تجربة صنع الله إبراهيم مع السجن، وتقدم سردا بضمير المتكلم عن رجل خرج من السجن. النشاطات اليومية للشخصية الرئيسية تحاكي نشاطات تجربته بالسجن، مُشَوِّشة الخط الفاصل بين الحرية والحبس، الداخل والخارج، والسلوك الحيواني المدفوع بالحواس الفظة وسلوك الناس. مكتوبة بأسلوب ميكانيكي ومتقطع، ومبنية على الزيارات الروتينية لعسكري المراقبة، تضع الرواية الزمان والمكان موضع السؤال. تلك الزيارات تضفي على الشخصية الرئيسية هوية يشكلها انتظام ممارسات السلطة. في نقطة ما، يقدم إبراهيم الشخصية الرئيسية في غرفة نومه، وهو يقرأ مقالا أدبيا عن الكاتب الواقعي الفرنسي جاي دو موباسان (1850-1893) وهو يفهم الأدب كأداة للتعالي الاستطيقي وتجميل العالم. وبعدها ينتقل إلى كتابته هو بدون أن ينجح؛ يُسقِط قلمه ويستلقي على سريره ويستمني.
 
رواية صنع الله القصيرة صدمت المؤسسة الأدبية في ذلك الوقت، التي منعت نشرها في شكلها الكامل. في مقدمة طبعة لاحقة، ذكر إبراهيم أن يحيى حقي (1905-1992) – أحد أعمدة الأدب العربي - انتقد العمل[12]؛ وفقا لحقي، يُوَلِّد نص إبراهيم القرف والكراهية وبالتالي لا يمكن أن يُعتَبَر "أدب". على أي حال؛ قارن يوسف إدريس (1927-1991) كاتب القصة القصيرة الأساسي الذي كتب في النهاية مقدمة "تلك الرائحة" - الناقد بالميتاليريجيست (الصائغ). هو اعتبر عمل إبراهيم وكأن العمل يخلط المعادن ويمزجها من أجل إنتاج شيء مختلف غير قابل للنقل، وجديد. بالإشارة إلى الخيميائي، يفكك إدريس اسم إبراهيم الأول "صنع الله" موضحا تلاعب المعادن بكل من المصطلحات المادية والروحية. وبكون اللغة لا تسعفه في وصف نص إبراهيم، يقترح إدريس أن القصة جعلته يشعر بـ "الخطر، الأمل، الضيق"[13]. ومعرفة عدم قدرته على توصيف "تلك الرائحة" مع التقليد والمرجعية التي يعود إليها عمله وينتمي إليها حقي، يُعَلِّق إدريس الحكم عن قيمة القصة الأدبية، معتبرها جزءا من حالة غير محددة وممتلئة بالإمكانيات[14].
 
الخطر والشك الذي يثيره نص صنع الله يصف تجربة واستقبال الكتابة الجديدة اليوم. شعور إدريس يتردد صداه في هذا التوصيف للتدوين كممارسة أدبية جديدة: "يقول المدون كريم إبرهيم: الجميل في التدوين أنك حر تماما، لن يطالبك أحد بأن تعطي وصفا نوعيا لما تكتبه، ويمكنك أن تقرأ تدوينة ما وتتفاعل معها، ويصلك منها أفكار ومشاعر قبل أن تفكر هل ما قرأته قصة قصيرة أو قصيدة نثر أو مقال ... التدوين في الأساس مساحة للصراخ، يريد الفرد أن يفهمه الآخرون، فجيلنا يشعر أن لا وقت للتعقيدات لأنها موجودة في أشياء كثيرة أخرى... ربما لذلك يستخدم المدونون العامية كثيرا، أو يمزجونها بالفصحى في بعض الأحيان. وكثيرا ما تكون لغة ثائرة، غير مقيدة بآداب المجتمع المصري المتحفظ بشكل عام وموروثاته[15]". وعد التدوين بالحرية يهدد المؤسسة الأدبية ويتحدى الأنواع المتوافق عليها. ظهر التدوين من مساحة يتقاطع فيها الأدب و"الكتابة الرخيصة"، الرواية والمدونة. تُسائِل النصوص الجديدة شرعية المرجعيات الأدبية وتتحدى إنتاجها الأيدولوجي والسياسي. التمرد ضد الأنواع المتحققة بالتالي يتزامن مع نقد المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبط بها هذه الأنواع. البحث عن صوت في هذا الوضع الثقافي الجديد للتعبيرعن كل من الرؤى السياسية والمخيلة الشعرية متصل بمشروع الشباب المغترب الملتزم بنشاط في عرض وتخريب الظروف المادية لاغترابهم وإقصائهم.
 
 
بيان الكتابة الجديدة
 
 
"عباس العبد" رواية تجريبية ظهرت عن دار ميريت عام 2003، تُمَثِّل ما وصلت إليه بعض الاتجاهات الجديدة في السرد العربي في العصر الافتراضي. دخل العايدي (1974) المشهد الأدبي من عالم كتابة السيناريوهات للتلفزيون والأفلام، وكتابة الشرائط المرسومة comic strips، والأشعار السياسية والمقالات الساخرة في عدد متنوع من الصحف المصرية. تعرض روايته صيحات سارد غاضب، شاب قاهري يمضي ليواعد الفتيات ويستقل المواصلات العامة، ويناقش السياسة والثقافة والتاريخ. تُقدِّم "عباس العبد" شخصية منفصمة تؤدي وظائف سردية متنوعة. كما تشير عبد المسيح: "صوت ضمير السرد المتكلم/الغائب يتغير سهوا بين زمني الماضي/المضارع، مظهرا العلاقات المُجبِرة والارتباطات الفاشلة في المواقف المنفصلة"[16]. عبد الله الشاب المكتئب الذي يقضي جل وقته مهلوسا في غرفته، يساعد في وظيفة السرد الأولية. عباس هو صديق عبد الله؛ يأتي لعبد الله كصوت أو كصورة، يدفعه للاشتباك مع العالم من حوله من خلال أفعال العنف والتخريب، ومعارك الشوارع والجرافيتي. عوني هو عم عبد الله، طبيب نفسي كان يعذب ابن أخيه عندما كان طفلا. هناك بنتان كل منهما تسمى هند، يحاول السارد أن يواعدهما. الشخصية الأخيرة هي شاهندة، التي تعمل كممرضة في مصحة عقلية أُرسِل لها السارد وهو طفل.
 
في عرض للرواية يناقش حازم أبيض أن نص العايدي يستحضر مكانا غير مادي؛ مدينة مجردة من كل ماديتها، وبالتالي تعتمد على المعارضة والمحاكاة ما بعد الحداثية؛ منهية بالتالي أسئلة السببية والأصالة[17]. هذا التوصيف يضيف منظورا ضروريا لشرح نص العايدي، الذي يعرض سلسلة من اللقاءات غير المتوقعة، التي لحقتها الاجترارات والتهجمات على التاريخ والثقافة المصرية. السرد الفج والعنيف يُعَبِّر عن الغضب من الأوضاع الاجتماعية الحالية. بينما يناقش العلاقة بين مصر والغرب؛ يقول عباس للسارد: "تريد أن تتقدم؟؟ إذن احرق كتب التاريخ، وانس حضارتك الميتة الثمينة. توقف عن استحلاب الماضي. اتلف تاريخك الفرعوني... سننجح، فقط، عندما نحول المتاحف إلى مراحيض عامة"[18]. بهذه الطريقة يهاجم العبد الهوية المصرية الوطنية. "انفجر كمجرور لم يعد يطيق الإهانة"[19]، محطما الرابط بين مصر الحديثة وماضيها المجيد. التقدم من وجهة نظر عباس يتطلب انقطاع مع الماضي وتدمير كتب التاريخ التي من خلالها يتم تخيل الماضي كمُكوِّن للهوية الوطنية. حرق كتب التاريخ وتحويل المتاحف إلى مراحيض عامة ينزع شرعية الطريقة التي يتدخل بها الماضي في المؤسسات التعليمية والثقافية ويستمر في الأيدولوجيا السياسية. يكشف عباس الصوت الغاضب في رواية العايدي التعارض بين ماضي مصر المتخيل والفساد الاجتماعي والسياسي المعاصر. "المجرور" يُوَجَّه إلى مصدر الفساد والتبديد في الخطاب والمؤسسات الحكومية، ويرسِّخ النص الأدبي الجديد كموضع للطرد. لم تعد الرواية تُمَثِّل واقعا اجتماعيا أو تُقَدِّم نقدا لعيوبها ونقائصها خلال ارتباط ديالكتيكي أو تمثيل مجازي. بدلا من ذلك، يعرض نص العايدي المجارير كمنتج وكفضلات نموذج اقتصادي وأيدولوجي متدهور. انفجار "المجرور" في النص يكون بالتالي موضعا ديناميكيا للمقاومة خلال إزاحة الانفعالات. هذا يُعَقِّد العلاقة بين النص كمُنتِج لبيئته الاجتماعية والسياسية والنص كـ "تَبَدُّد" أو "كتابة رخيصة" لا يمكن أن تُعتَبَر "أدبا".
 
وفقا لعباس فالانقطاع مع ماضي مصر الرومانسي يتضمن الانفصال عن "جيل الهزيمة". في إشارة إلى حرب 1967 مع إسرائيل، أو النكسة؛ نقطة التحول في تاريخ السياسة والثقافة العربية، يقول عباس لعبد الله: "في مصر كان هناك جيل (النكسة). نحن الجيل الذي يليه. جيل (معنديش حاجة أخسرها) نحن جيل من المتوحدين نحيا تحت السقف نفسه، مع غرباء لهم أسماء تشبهنا. هراء (Pull shit). إليك (تطوير/Upgrade) الحكمة و(تحديث/Update) التجارب"[20]. هنا يُحَدِّد عباس الوسائل التي يمكن بها تجاوز نموذج الهوية المصرية التي تخترق الخطوط الفاصلة بين الأجيال. "التوحد" يتم تخيله كحالة الشباب العربي، الذي يتحادث على الإنترنت ويبعث بالرسائل القصيرة ويتعامل مع آبائه، الذي يصدف أنهم يعيشون في المنزل نفسه، كأغراب تماما[21]. متصلين ببعضهم وبالإنترنت خلال تواصل غير شفهي، ينفصل هذا الجيل عن العائلة والدولة. أحوال التواصل تلك تطبع نص العايدي كموضع "انفجار" وكتابة متفاعلة، شبيهة بالمجرور. في هذا السياق، تصبح صياغة الهوية مَكنِية تتشكل خلال الانفعالات والقرب الجسدي؛ وبالتالي استبدال السرديات الكبرى التاريخية والحضارية التي من خلالها يتم تخيل الهوية المصرية والحفاظ عليها.
 
مُوَظَفا لغة الكمبيوتر، يطلب عباس من السارد أن يُحَدِّث ويُطَوِّر نظامه ويُحَمِّل خادم server جديد ليحل محل النموذج الثقافي الذي يتخذ المصريين كرهينة. مع الكلمة المتوعدة pull-shit التي هي مزيج من bullshitالخراء وdon’t pull this crap on me  لا تلق بهذا الخراء عليّ، التي كُتِبَت بالإنجليزية في النص العربي، يهز عباس بعنف ليس عبد الله فقط بل قاريء النص أيضا، مجبره/ا على أن يلاحظ الحاجة للتحديث والتطوير؛ أي تحميل برامج software جديدة والتحرك. خطاب التكنولوجيا بالتالي ينقلنا إلى الحرق البربري لكتب التاريخ وهدم المتاحف إلى أفعال تحميلات وتطويرات الكمبيوتر، مشيرا إلى قدوم جيل يعيد التفكير جذريا في هويته الاجتماعية والسياسية. في هذا السياق، يصبح سؤال التجربة موضعا استراتيجيا لخلخلة وإعادة تشكيل الروابط الاجتماعية. "التحديث" updating لم يعد ينطبق على المؤسسات الاجتماعية والسياسية في الدولة المصرية العالقة في الماضي وبالتالي البعيدة عن متناول هذا الجيل الجديد - ولكن بالأحرى في تجربة الـ "عبد" كما في "عبد الله"؛ مُحاوِر عباس الذي يستحضر العامية المصرية بكلمة "الرجل العادي" (العبد). منطلقا من الرسائل القصيرة والتدوين، يستدعي عمل العايدي حال جديد من التجربة متوافقة مع التواصل غير اللفظي من أجل هز وإيقاظ الشخص العادي من سباته/سباتها، حاثا له/لها للقيام بالفعل وإعادة اختبار بيئته/بيئتها بطرق جديدة.
 
تحديث وتطوير خادم serverالمرء هي أشكال من الإدراك Prise de conscience تحل محل "الالتزام" السياسي كما يُفهَم في الأدب الفرنسي والسياق السياسي. الالتزام يصف جيلا عربيا سابقا طالب وآمن بنموذج خاص وربما يوتوبي للتغيير السياسي والاجتماعي، إلا أنه انتهى بكونه يتحطم بالحكم السلطوي والهزائم العسكرية. الحداثة العربية التي ترتبط بها الدولة الوطنية المصرية  معروضة في نص العايدي كمشروع ديستوبي وقديم الطراز. يعمل هذا المشروع كتطبيق للكمبيوتر طوَّره برنامج قديم ومُعَطَّل، وهو دوما غير ملائم وغير مدعوم - وربما كان كذلك دوما. بالانقطاع مع "جيل الهزيمة" يستجوب العايدي مشروع الحداثة، وفشله كان مُتَكشِّفا تماما في حرب 1967 أو "النكسة". بينما يدعو النص لتحديث وإعادة تشكيل أحوال جديدة من الخبرة، يفتح أيضا إمكانية الذاتية السياسية التي تنقطع مع الحداثة كما تخيلها بعض مفكري النهضة وتجسدت  في أمثال مؤسسات الدولة تلك كالمكتبات والمتاحف. نصوص العايدي تَعِدّ المسرح لحديث مُطوَّر upgraded ومُحَدَّث updated يخلخل الحداثة السياسية والفكرية العربية المرتبطة بالأيدولوجيات القومية العربية على سبيل المثال. هذه الخلخلة وإعادة صياغة موضوع جديد لتجربة  "العبد" وكاتب وقاريء المدونات، وتغريدات تويتر، تُشَكِّل مِحَن جديدة للحداثة العربية. في هذا السياق، تُحَدِّد "المِحَن" الشباب "الذين يمتحنون" النموذج الأيدولوجي والبنية السياسية التي تَسقُط أو التي سقطت بالفعل. هذا يقودنا إلى تقديم معنى جديد للأحداث عن طريق "الشباب" وبالتالي تسليط الضوء على الإطار الجيلي الذي يُخَرِّب الهيراركيات السياسية والإبستمولوجية. متحركا من التطور الثقافي والتاريخي إلى نمو تطور برامج الكمبيوتر ووسائطه، يصبح النص الجديد مسرحا للتشفير والمحاورة واللجوء للنماذج الاجتماعية والسياسية والإستطيقية في الوقت نفسه.
 
يعرض نص العايدي تدريجيا تخريب المنتجات الثقافية المرتبطة بـ "جيل الهزيمة"؛ الجيل الذي نشأ في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي والمعروف برواياته؛ النوع البارز للحداثة الأدبية العربية. وهو يتحدث عن  أعمال غسان كنفاني (1936-1972) وحليم بركات (1936)، يناقش إدوارد سعيد أن فعل الكُتَّاب بعد 1967 قَصَد أن يخلق مشهد إعادة تمثيل الكارثة وصناعة دراما حول "الدورية"؛ أي العملية التاريخية النشطة التي بها تُشَكِّل الواقعية العربية نفسها، إن كان لها وضع وجودي[22]". الجيل الجديد من الكتاب العرب المُتَخَيَّلين في نص العايدي لم يعودوا يهتمون بكونهم مُعَلَّقين بين الماضي والمستقبل، ولكنهم مرتبطون بالأحرى بالحاضر كشيء فقط يكون، يتحرك؛ لحظة متجددة تظهر وتختفي وتعاود الظهور. الانقطاع مع "جيل الهزيمة" يتبعه في بيان الكتابة الجديدة هذا خلخلة للشكل الأدبي للرواية. يشن "عباس العبد" هجوما عاتيا ضد الرواية والمؤسسة الأدبية التي تحافظ عليها لأسباب تجارية وأيدولوجية بإقصاء الكُتَّاب الشباب الناشئين، وتجاهل واقعهم الحاضر كما هو معتاد. يقول السارد:
 
"لو كانت هذه رواية فهنا ينبغي لك التوقف وإعداد شطيرة. لكنها للأسف ليست كذلك. هذه ليست رواية. لا أحد يحب أن يقرأ عن عذابات أنصاف الآلهة حين يتكشّف لهم كم هم أرباع بشر. تلك مؤلفات يصطحبها النُقَّاد للحمام لتعينهم على التخفف من عبء مؤخرات ممتلئة"[23].
 
هنا يعيد السارد تعريف نوع النص الذي يسرده بتشويش التمييزات بين الافتراضي والمادي، الأدبي وغير الأدبي. هذا العمل الحدي يقاوم - في الحقيقة يرفض - بشكل تام نوع الرواية نفسه. من خلال إيماءة ما بعد حداثية، يُحَرِّر السارد القاريء من فكرة أن النص الذي يسرده هو رواية. في هذه الدعوة للفعل، يثير هذا النص الشكوك المتعلقة بالطبيعة والوظيفة الاجتماعية والإطار الأيدولوجي للنوع على ما هو عليه. يستنطق النص القاريء ويدعوه/يدعوها للتدخل خلال المسافات الفارغة بين "عباس العبد"، مُطَوِّعا كتابة متفاعلة ممتلئة بالانفعالات، شبيهة بكتابة المدونات والرسائل النصية والمواقع الاجتماعية. النص الجديد يدعو القاريء ليصبح واعيا بواقعه/واقعها الاجتماعي والسياسي بتحديث خبرته/خبرتها والمشاركة في فعل الكتابة. تجربة القاريء مع النص الجديد ورد فعله عليه، الممتليء بالانفعالات والارتباك، يُشَكِّل إنتاج النص. على خلاف قاريء "أدب الهزيمة" الذي يُستَحضَر كمشارك في النضال التاريخي، باحثا عن رأب الصدع بين ماضي العرب ومستقبلهم بعد 1967[24]، يُستَنطَق قاريء العايدي كموضوع للتجربة المباشرة المغروسة في الجسد ويُعَبِّر عنها في انفعالات الانزعاج والغضب والتخريب. على ضوء هذا، يقوم عباس العبد بتدمير إستطيقي؛ هذا التدمير المعروض كنداء لمشاركة متجسدة في الإنتاج الثقافي الجديد والأفعال والإيماءات والأداءات السياسية. نهاية الرواية لا تعلن انتهاء الكتابة، على العكس، نهاية الرواية التي تتراجع في نص العايدي إلى مجارير الحداثة في السياق المصري، تكشف صعود كتابة جديدة وشخصيات جديدة، لم تُعرَف أو تُدرَك تماما بعد. كما لاحظ روجر آلان فارتباط الأدب العربي الحديث مع مشروع الحداثة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي انكشف وتخلخل في نص العايدي. الكاتب الجديد؛ التجسيد المزعوم للعصر الاستهلاكي وغير السياسي الذي تراجع عمله إلى الكتابة الرخيصة الفجة، يعود ليكتب كماسورة مجرور متفجرة. يعرض العايدي ويعيد تشفير تخيل الفضلات التي يرتبط بها جيله من الكُتَّاب، ويعيد توجيه ذلك إلى المؤسسة الأدبية والسياسية التي لا ترى الفضلات الخاصة بها. هذه الكتابة الجديدة تصعد بين الـ "pull-shit"  (بين الكلمتين شرطة)  خلال فعل التمرد العنيف ضد المرجعية الأدبية والحكومة ووضع شباب مصر (كما في الأحداث) والمجتمع.
 
الرواية التقليدية وفقا للعايدي تتعارض مع الواقع واللغة والإعلام السياسي والاجتماعي الجديد. فكرة التعارض هذه يجب أن تُفهَم في سياق لغة الكمبيوتر "التحديث" و"التطوير" التي يشن العايدي من خلالها هجومه على المرجعيات الأدبية والمؤسسات السياسية والاجتماعية. بالتالي يستغل العايدي النوع الأدبي الذي ينتمي إليه عمله  بأفعال التطويرات والتحديثات، مُستخدِما الأقواس وعلامات الاستفهام بشكل مفرط، ويعيد بشكل منظم تكرار الكلمات والجمل، من أجل كشف نهاية الرواية (النوع الذي حَزِن عليه حقي عندما قرأ رواية "تلك الرائحة" لصنع الله إبراهيم)؛ يرفع upload العايدي إلى عمله أنواع مثل الإعلانات والأدعية الدينية، أو كتيبات تشغيل الأجهزة، في أحد الأمثلة، ينشد دعاء عن دواء متخيل؛ بارتاكوزين:
 
"تريد الانعتاق؟ أن تكون حرا. لو كنت تريد أن تحيا حياتك بالطول والعرض فهذه فرصتك... (بارتاكوزين سيجعل حياتك أكثر حدوثا وأقل إيلاما (يا الله يا جماعة بسم الله الشافي) ابتهل وارفع يديك نحو المساء ولنتوسل سويا: اللهم احفظ (بارتاكوزين) من كل سوء وبارك لنا فيه. (آآآمين). "تعرف أن (بارتاكوزين) اتحارب في الأول جامد". اللهم عليك بالصهاينة والفسقة وأعدائك أعداء الـ (بارتاكوزين). (آآآمين)... اللهم من أرادنا وأراد الـ (بارتاكوزين) بخير فوفقه للخير يا رب العالمين. آآآآآآآآمين. (بارتاكوزين) بيشتغل بعد أقل من خمس دقايق"[25].
 
في هذه الفقرة، يخلط العايدي نوع الإعلانات مع الدعاء، الذي يُتلى عادة أثناء صلاة الجمعة في أنحاء العالم العربي. الـ(بارتاكوزين) بالتالي يُقَدَّم كدواء سحري للأمة الإسلامية. سخرية العايدي ما بعد الحداثية من الدعاء تدمج في السياقين الديني والأيدولوجي إعلان لمضاد الاكتئاب. استخدام السخرية، وفقا لليندا هاتشون، يستدعي الانتباه إلى بنية الأنواع الأدبية والتقاليد الاستطيقية، كاشفا بهذه الطريقة الإطار الأيدولوجي للصياغة المرجعية. "تبدو السخرية أنها تُقَدِّم وجهة نظر عن الحاضر والماضي تسمح للفنان أن يتحدث إلى خطاب من داخله، ولكن بدون أن يكون متعافيا منه تماما. السخرية لهذا السبب هي حال للمهمشين، أو هؤلاء الذين يقاومون التهميش بالأيدولوجيا المسيطرة"[26]. في "عباس العبد" السخرية والخلط بين النوعين الأدبي وغير الأدبي يشكلان الإنتاج الثقافي. منتقدا استخدام مشروع الحداثة العربية في الخطاب السياسي، يسخر العايدي من الوصول لـ "الانتصار العربي" ورأب التصدعات التاريخية لعامي 1948 و1967 عن طريق هزيمة الصهاينة والإمبرياليين. هذه السردية التحررية الكبرى للأدب العربي والحداثة السياسية هي نفسها إعلان؛ تنشره وتُسَوِّقه الأنظمة الأوتوقراطية العربية والإسلاميين أيضا. هذه البروباجندا تشغل عن الالتزام الضروري بحالة الانهيار السيكولوجي للذات العربية، التي بحاجة إلآن إلى دواء لتتحمل واقعها. بهذه الطريقة يسخر العايدي من الدعاء في سياقه السياسي ولكنه يسخر أيضا من الاستهلاكية وجوانب العولمة المنعكسة في تكاثر الأدوية في العالم العربي. هذه السخرية المزدوجة تعمل كنقد سياسي واقتصادي لشعارات القوميين العرب هزيمة الصهاينة وتحرير الأرض العربية من جهة، وكتدخل أدبي في النوع من جهة أخرى.
 
بالإضافة إلى ذلك، الجناس بين البارتاكوزين وترتيل الدعاء يُنَشِّط الانفعالات اللغوية في أفعال تهجير detteritorializingللغة والنوع. فتح الفم في "آآآآآم" والضغط في "يييين" يصنع انفتاحات وشقوق في النص نفسه، معطلا الكتابة إلا أنه يربطها بأشكال أخرى من الوسائط والتلاوة. هذا التدنيس desacralization للغة؛ بمضاعفة حرف صوت الـ "آ" عن طريق التكرار، وتمييز صوت الـ "ين" (كما في "آمين" بربطه بالبارتاكوز(ين)) يأخذ نص العايدي إلى ما وراء الرمزي والتمثيلي والاستطرادي والاستعاري. هذه الأصوات؛ فتح الفم والضغط على حروف بعينها على لوحة المفاتيح، واستمرار ضغط الإصبع لتكرار "آآآآ" ليظهر ويتعدد في النص، يقدم الصوت الحلقي والتكنولوجي، والمكرر والمهووس في اللغة نفسها، يتلاعب بها، ويخلطها. الاهتمام بالأصوات والاختلالات المتناصة بالتالي يُعَقِّد نظريات السخرية أو التجريب الحداثي الذي ترتبط به عادة الكتابة الجديدة. في نص العايدي، أسئلة الصوت والمادية والصوتيات معروضة لتخلخل بنية اللغة وتخلخل أيضا الأنساق السياسية والاجتماعية الجامدة.
 
في محاولته لاختراق النوع بشكل أكبر وتهجير deterritorialize اللغة، كاشفا الضعف والتناقضات الأساسية، ينتقد النص مادية الكتاب نفسه، مستخدما نوع كتيبات تشغيل الأجهزة من أجل تقديم تعليمات لتدمير الكتب، وخاصة الروايات الطويلة. يعدد السارد خطوات فعل التخريب هذا:
 
"ألصق الكتب بالصمغ في المكتبات العامة وإليك الوصفة:
تأكد من انتقاء توقيت مناسب...
انتق كتابا من الحجم المستفز الذي تزيد عدد صفحاته عن (300) صفحة...
لك اختيار الكتاب أو الموضوع الذي تكرهه...
افتح غطاء الصمغ السائل.
اسكب الصمغ على وسط الكتاب بينما تفرّه وتذكر أن العلم نور.
ألصق دفتي الكتاب بأول وآخر صفحة ثم اشطب على اسم المؤلف بطريقة إكـ(X)ـس...
ضع الكتاب في رف غير رفه الأساسي... سيأتي اليوم الذي تنهار في اللحظة الفاصلة بين كتيبات الجيب وأكياس البطاطس... سيأتي اليوم الذي يضعون فيه على واجهة الكتاب رمزا رجل يطوح بكتاب في سلة مهملات، وسيُكتب من تحته:
حافظ على
نظافة العالم!"[27]
 
يدمج العايدي هنا أنواع الإشارات الأدبية (حافظ على النظافة) وكتيبات التعليمات إلى رواية، محولا السخرية ما بعد الحداثية إلى تخريب. الوصفة في هذه الحالة بقية من "كتاب الطبخ الإناركي"، حيث يصبح إعداد الطعام فعلا عنيفا. بتفكيك العلاقة بين الطعام والمعرفة، القراءة والتغذية، يُحَوِّل العايدي الكتاب إلى شيء يجب التخلص منه ككيس بطاطس فارغ. بافتراض موقع المُخَرِّب الذي يذهب إلى المكتبة لتدمير الكتب، شخصية العايدي تفتح الباب لنقد بنية السلطة التي يعرضها الكتاب. الهجوم على كتب المكتبة يستدعي الانتباه إلى النظام التعليمي المُكَوِّن والعَرَضي للفساد الاقتصادي والاجتماعي الذي يكشفه النص. هذا يجعل القاريء يستمتع بمحو كل من مادية الكتاب ودلالته السياسية والإبستمولوجية. يدعو سارد العايدي القاريء ليتعرف على الواقع السياسي الجديد ويقوم بدور في تغييره من خلال الأفعال المصغرة Micro-acts  للتمرد والهدم. نموذج جديد لـ "الالتزام" يظهر من نص العايدي، هذا الذي يُحَوِّل القاريء إلى شريك ومُخَرِّب، وتحويل النص إلى عرْض تفاعلي يستقبل التعليقات وردود الأفعال وأداءات العنف التطهيري.
 
هدم مادية الرواية يكشف مرونتها ليس فقط كنوع تتخلله الآن أنواع غير أدبية أخرى والكتابة الرخيصة، ولكن أيضا كمُنتَج؛ شيء موضوع على رف المكتبة، في أيدي القاريء. هذا التدمير للكتاب يخلخل في الوقت نفسه فعل القراءة، الذي يتوسط المجتمع الوطني المتخيل بمصطلحات بنديكت آندرسون[28]. إشارة العايدي إلى "التوحد" هي بالتالي إشارة إلى محو القيود الرمزية التي يتكون منها المجتمع. الجيل المتوحد لم يعد ينتج أو يتخيل المجتمع الوطني بقراءة الروايات الطويلة، ولكن يولدها بدلا من ذلك عن طريق الأصوات ("آآآآآم" و"ييييين") والانفعالات المذكورة في نص العادي، وفي المدونات وفي الهتافات والاهتزازات واللافتات التي حملها المتظاهرون في أنحاء العالم العربي بداية من 2010. الجيل الجديد في كتابة العايدي هو حشد همجي من المخربين المتوحدين، غير القادرين على التعامل مع النظام الاجتماعي بوجود الإطار الأيدولوجي للنظام السياسي الجامد وارتباطه بمشروع الحداثة الذي انتهى، أو الذي كان منتهيا بالفعل.
 
رد فعل العايدي العنيف ضد شكل الرقابة الاجتماعية والأيدولوجية المركزية يكشف أزمة وإفلاس النماذج القائمة من التربية والأنواع الأدبية. تدمير الكتب هو بداية لا-تعليم وإعادة تعليم العامة، مُحَدِّثين خبرتهم ومُطَوِّرين علاقتهم بالمعرفة. تدمير الرواية الطويلة في نص العايدي يمكن تسييقه بالعلاقة مع شكوى الشدياق من نهاية الكتابة المتأملة وقدوم النص الحديث، الذي يظهر من وسط دخان وظلمة المدينة الملوثة كما نوقش في الفصل الثالث. النص الجديد، الممتليء بالانفعالات والمجتزئات والتعطيلات السردية والألعاب السردية، هو إنتاج تفاعل افتراضي إذ يتسلل القراء لا كمشاركين في مجتمع متخيل كما كانوا، ولكن كمشاركين نشطين في عملية جديدة من الكتابة والتفسير، والتغيير السياسي والاجتماعي. صرخة بعيدة عن تصوير محفوظ للحارة القاهرية في الخمسينيات من القرن الماضي، مكان العايدي الحاضر مادي وافتراضي موضوع استراتيجيا بين "عشوائيات" القاهرة الحديثة والأحياء الراقية. بالاتصال بالإنترنت والتليفونات المحمولة والقنوات الفضائية؛ يتحدى هذا المجتمع من الكتاب والقراء والنشطاء الإنتاج الأيدولوجي للرواية كموضع لتمثيل idealization التقليد وإنتاج المجتمع. ثنائية الحداثة والتقليد، والحارة قديمة الطراز والأحياء الحديثة في القاهرة تسقط كبنية سوسيولوجية وسياسية تؤطر الأعمال الأدبية وتتأطر بها. الكتابة الجديدة تنهي هذه الثنائيات المتضادة بإعادة تشكيل وابتكار لأشكال جديدة من الذاتية وممارسات الكتابة التي تُنتَج بين الإنترنت والكتب الورقية، وعشوائيات القاهرة ووسط البلد. حبكة الرواية المحفوظية، التي تُصَوِّر صعود وسقوط أبطال مثل حميدة في "زقاق المدق" والجبلاوي في "أولاد حارتنا" على سبيل المثال دُمِّرَت في الكتابة الجديدة. (الأحداث) الأدبية والسياسية المعاصرة تنتج نصوصا جديدة وأشكالا من الذاتية؛ من الشخصية المتحررة الجنس queer في عمل أبو جليل الذي نوقش في الفصل السابق إلى المُخَرِّب-التكنولوجي في بيان العايدي. عرض خبرة الحداثة في القاهرة أو في لندن، سواء كانت مرتبطة بالتكنولوجيا الأوروبية أو الأنظمة العربية، يكشف ويزعزع نماذج السلطة الإستطيقية والسياسية.
 
 
اختراق السياسي
 
في حوار نشر في جريدة "البحث النقدي" Critical Inquiry عام 2008، بدأ الفيلسوف الفرنسي آلان باديو بتخيل إمكانية السياسي في عصر العولمة[29]. أشار باديو إلى أنه "على العكس من هيجل، الذي ينتج سلب السلب عندها تأكيدا جديدا، أعتقد أنه علينا أن نؤكد أن السلب اليوم لا يخلق شيئا جديدا لو تحدثنا بدقة؛ إنه يهدم القديم بالطبع، ولكنه لا يؤدي إلى خلق جديد"[30]. في هذا السياق يشير باديو إلى أن اضطرابات فرنسا في نوفمبر 2005 فشلت في إنتاج تغيير اجتماعي وسياسي لأن الشباب العربي شعر أنه مقصي ومُهَمَّش. على العكس من أحداث عام 1968، عندما اجتمع الطلبة والعمال، متشاركين الالتزام، ليحققوا التغيير. يشير باديو إلى أن هذا التلاقي "مفقود" اليوم بسبب أن "شباب الضواحي مغلق عليهم في عزلة جماعية، من المحتمل أن الأشياء ستتغير، ولكن في الوقت الحالي لن تؤدي هذه الانتفاضات إلى شيء، وفي الوقت الحالي كل ما يمكنهم فعله هو الانتفاض[31]". تَوَقُّع باديو مبن على نموذج خاص للفعل السياسي منبثق من الديالكتيك الهيجلي وينتشر في نماذج الأيدولوجيات الاشتراكية والقومية. مع هذا التطور، يحدد باديو غياب التركيب الديالكتيكي وبالتالي التغيير الاجتماعي والسياسي ذو المعنى المرتبط بفعل ثوري محدد. وفقا لباديو، الضواحي الفرنسية مستبعدة من التغيير التاريخي.
 
على أي حال، قراءة باديو للنموذج الثوري غير قادرة على تفسير أو شرح الحركات والأحداث الأخرى كمواضع للتحول وإعادة التعريف التي تحدث على الإنترنت وفي الميادين العامة والأدب. في هذا السياق، فمشروع الحداثة العربية الذي كشفه وهاجمه نص العايدي لا ينفصل عن النموذج الهيجلي وإنتاجه للأنساق الاجتماعية والسياسية القومية العربية. هذا النموذج مفلس في عرض العايدي للسياسي؛ إنه مُحاصر في الدائرة الهرمينوطيقية التي تؤدي إلى نماذج النضال الطبقي في السياق الماركسي، وفي تاريخ الثورات منذ عام 1789. هذا النموذج الأوروبي المركزي المُفَسِّر يفشل في شرح أشكال التحول المعروضة في النص، وهؤلاء الذين يشكلون الواقع الاجتماعي والاقتصادي العربي اليوم. وأكثر من ذلك، الاهتمام بالضواحي، التي تتشابه مع عشوائيات القاهرة، كموضع خاص وأصل للفعل السياسي تم إثبات أنه أمر خاطيء. كما أظهرت أحداث الربيع العربي، و كما يعرض نص العايدي؛ هذا التغيير يثار بين المركز والأطراف؛ (العشوائيات) وميدان التحرير (وسط المدينة)، والطبقتين العاملة والعليا. هذه المساحة بين التجريب والمِحَن، بين عشوائيات القاهرة وأحياء الطبقة العليا، المادي والافتراضي، يستجوب الثنائية المتضادة وينقد السلطوية السياسية، والنماذج المُفَسِّرة، والمرجعيات الأدبية.
 
قراءة صبري حافظ للكتابة الجديدة في مصر تردد أصداء ملاحظة باديو. يبحث حافظ في شاعرية جيل كتاب التسعينيات من القرن الماضي، معالجا أعمالهم من خلال منظور التحولات السياسية والطبقية والحضرية:
"إن كانت (أنا) الكاتب لم تعد قادرة على الحفاظ على موضعها كوعي متحكم في النص، ولم يعد الكاتب واثقا في سارده أو ساردته، فهذا بسبب أن كل منهما أصبح تنويعات على الذات الثانوية، التي تسكن في بلد ثانوية فقدت استقلالها وكرامتها ودورها الإقليمي. هذا خلق أزمة يكون فيها "الأنا" غير قادر على التطابق مع نفسه، دعك من التطابق مع "آخر" أو مع قضية. إلا أنه أيضا يقدم ساردا قادرا على ربط الواقع الخارجي "من الداخل"، وكأنه جزء مكمل له، بينما في الوقت نفسه يراه من الخارج، من منظور المُهمَّش، مناسب لعدم أهميته. الرواية العربية الجديدة منغمسة في التفاصيل الأكثر صغرا لواقعها الاجتماعي المحيط، إلا أنها غير قادرة على قبوله. "رواية الأفق المغلق" هي نوع الظرف غير المحتمل"[32].
 
فهم حافظ لظروف العزلة يعيد الكتابة الجديدة للكُتَّاب الشباب إلى "أفق مغلق"، مُدَعِّما مجاز التوحد في نص العايدي. يستخدم حافظ تحليله لخريطة القاهرة المتغيرة؛ المعتمدة على دراسات النمو الحضري لآندريه ريمون وأبو زيد راجح، ليفهم الرواية الجديدة، مناقشا أن السرديات الأدبية تعكس الواقع المادي[33]. في هذا السياق، يقود تقلص المساحات المادية في القاهرة الكُتَّاب الجدد إلى مساحات مغلقة ومستحيلة. يمكن للمرء أن يشرح قراءة حافظ للظروف المادية للاغتراب بأن يضع في الاعتبار تأثيرات التطور التكنولوجي والإنترنت على المشهد الأدبي والسياسي الجديد، اللذان سيحررانه من الالتزام بسؤال نهاية التاريخ في عصر ما بعد النكسة وما بعد الديالكتيك. الأعمال المصغرة للبريكولاج، المعروضة في الكتابة الجديدة، تزعزع هذا الأفق المغلق وتخلق إمكانية التغيير والمقاومة. أحمد العايدي والعديد من الكتاب الآخرين من جيله يكتبون الشرائط المرسومة في الصحف وأيضا سيناريوهات الأفلام إلى جانب التدوين. هذه الحيوية تسمح لنا أن نقرأ النصوص الجديدة كنصوص مُسهِمة في حركة التغيير، تتدخل محليا وتدريجيا في الخطاب وتفتح أفكار وممارسات إستطيقية وسياسية جديدة. في قرائتها لجيل التسعينيات من القرن الماضي وعمل أحمد العايدي بالتركيز على "العائلة" تناقش سامية محرز أنه "بالضبط هذا الجيل الشاب الحضري المُجَرِّب والذي ليس لديه شيء ليخسره أخذ الطليعة المصرية المعاصرة إلى ما وراء الأسرة والبلد، بادئا تصويرات أدبية جديدة وإمكانات لغوية تِعِد بمرجعيات مجهولة، وأرضيات تقنية وإستطيقية"[34]. هذا الاهتمام بالإستطيقي، المُعتمِد على واقع اجتماعي وسياسي، يُلقي الضوء على هذه التحولات ويؤطرها كمُكوِّن للجدة والتغيير.
 
تحليل الاختراق hacking في نص أحمد العايدي يُمَكنِّنا من التعامل مع الكتابة الجديدة بطرق تمتد إلى ما وراء منطق السلب والهدم الذي يحدده باديو وحافظ، منهيا ثنائيات الحداثة/التقليد، الشرق/الغرب، المركز/الأطراف. كلمة "هاك" hack مُعَرَّبة من الإنجليزية في نص العايدي وتُرجمَت بـ "اختراق النظام"[35]. يستدعي العايدي الاختراق ليكشف مهمة الكاتب العربي الجديد في المساحة المحدودة للكتابة. قَدَّم "الاختراق" hack في حوار عن شاب روسي عمره 17 عاما نجح في اختراق موقع البنتاجون وتحميل ملفات mp3 موسيقية عليه. مضيفا إلى ذلك أن المخترقين في كل مكان؛ مستهدفين الحكومة "حتى الحكومة بتتهاك"، يشرح عباس وظيفة تفاعل الكاتب والقاريء[36]. تحميل ملفات الـmp3إلى موقع البنتاجون هو فعل اختراق وتسلل، وخلط للأنواع، بالضبط مثل خلط العايدي للدعاء بالإعلان في ابتهال بارتاكوزين. كما يكشف الروسي ذو الـ17 عاما هشاشة النظام ويخترق "غير القابل للاختراق"، يكشف العايدي النسق الاجتماعي والاقتصادي المُعَطَّل والقديم في مصر.
 
"الاختراق" hackingيعني "التمزق أو القطع بضربات غير منتظمة أو غير حاذقة"، "أن تقوم بضربات متقطعة"، "أن تكتب برامج كمبيوتر على سبيل التسلية"، و"أن تتمكن من الدخول إلى كمبيوتر بشكل غير شرعي"[37]. ينطلق العايدي من هذه المعاني، جاعلا الاختراق فعل تخريب؛ كلصْق وتدمير كتب المكتبة، واللعب، والتجريب والامتحان وبرمجة الكمبيوتر. في بيان العايدي؛ الكاتب هو مخرب-تكنولوجي، يبدأ علاقة مختلفة مع الكتابة والتقليد، ويهجر مشروع الحداثة المرتبطة بمحفوظ وحقي وآخرين. بعد إيقاف الرواية الطويلة باختراقها وقطعها، ما يبقى هو المجتزئات، التي يعيد عمل العايدي إنتاجها خلال كلمات "آآآآه" و"أووووه". تلك المجتزئات التي هي أيضا فضلات وبقايا كما في مجاز انفجار المجرور المذكور سلفا مشابه للرسائل النصية والتعليقات المكتوبة في المدونات وصفحات الفيسبوك، مُشَوِّشا بشكل أكبر التمييز بين الكتابة-التكنولوجية والأدب. في هذا السياق؛ إهداء العايدي في بداية العمل، الذي يشير إلى "شركاء الجريمة"[38]يشبه الاعتراف بعمل إجرامي، يدشن فعل الكتابة – الكتابة الجديدة – كجريمة. هذا الفعل يُحَوِّل القاريء إلى مشارك في الجريمة؛ والناقد إلى محقق يحاول فك شفرتها. يصف الاختراق بالتالي تدخل جيل جديد في الإنتاج الثقافي من خلال أفعال العنف، والولوج، والتنكر، والبرمجة، والكتابة. مفاهيم الذات التي تظهر خلال لغة جديدة وحساسية إستطيقية تعكس بنى سردية مشوهة مع مسافات فارغة وشذرات انفعالية يتبعها تعبير عن مدار الفعل والنقد من القاع إلى أعلى، مواجها المشروع الأيدولوجي الذي لم يعد يخفي أو يحجب عدم صلاحيته. المجاز المُخترِق يصف اختراق مستمر ويصمم مساحات أدبية وثقافية جديدة. بالتالي لم يعد يتم اعتبار الكتابات الجديدة ظاهرة فجة، ولكن بالأحرى تُعرَّف كإنتاج ثقافي هام ذو صدى اجتماعي وسياسي واسع المدى. هذه الاستراتجيات الإستطيقية التي تم تبنيها في الأعمال الجديدة يمكن أن تُعرَّف أيضا في الأعمال الأخرى التي نوقشت في هذا الكتاب، من "اختراق" الطهطاوي لنوعي المدح والرحلة الأدبيين، إلى نوع الكشف عند الشدياق، وخطاب الحضارة. عمليات الاختراق والتدمير تلك، المجسدة في كتابات النهضة، والكتابات ما بعد الكولونيالية، والكتابات الجديدة، تؤسس لـ "الحديث"، في الأدب العربي الحديث.
 
 
خاتمة
 
بشرح جدالات إيلا شوحاط وهومي بابا، من بين الآخرين، يناقش محسن الموسوي أن الإنتاج الأدبي للتهجين hybridity والتوفيق syncretism يستمر في حجب الظروف المادية للإنتاج والإطارات الاجتماعية الضرورية لتداول الأدب واستقباله[39]. بقرائته لرواية صنع الله إبراهيم "اللجنة" (1991)، يناقش الموسوي أنه على الرغم من أن الرواية تنتقد الرأسمالية العالمية، كاشفة إذعان الدولة القومية لانقضاض ما بعد الكولونيالية على العرب والعالم النامي، "هذا النظام العالمي سيمر بالوضع نفسه تقريبا مثل الدولة الوطنية طالما بقيت هناك المصالح الأنانية والفساد والقمع"[40]. على أي حال يزعم الموسوي أنه في العديد من الكتابات الجديدة، "نادرا ما يتم الاقتراب من الاستخدام الأيدولوجي للوطن؛ سياسات العولمة توضع جانبا، ولا تتم مناقشة أو نقد الرأسمالية الأمريكية ولا نقد السياقات الأوروبية[41]". يستمر الموسوي في تحليل الدور التكنولوجي في تأطير دور الدولة الوطنية وما وصلت إليه في العصر الجديد:
 
"انشغالات الحداثة الأدبية لم تعد الانشغالات الوحيدة في ذهن الكُتَّاب، ولا القلق ما بعد الحداثي الاستطرادي. ما يهم الآن يتعلق بالهوية، الحقيقة والمعنى المحليين، إلى جانب التقليد والثقافة اللذان يميل لهما المرء. هذا يحتاج للفحص من منظور تاريخي مُرَكَّز ودال يضع في الاعتبار الحركة من الكولونيالية والدولة الوطنية  إلى الواقع العالمي والأجندة المختلفة والنتائج بعيدة المدى"[42].
 
يحدد الموسوي أسس البحث في إستطيقا عربية جديدة. النص المعاصر لا يمكن أن يتم تركه كشكل من التظاهر من موضع الامتياز الاجتماعي والاقتصادي، ولكنه يُعرَّف بالأحرى كتفاوض حيوي عن مكان المرء بالعلاقة مع السياسي والتاريخي. البحث عن لغة جديدة في تلك الكتابات وقدرة الناقد لإدراك وشرح هذا البحث له نتيجة عظيمة للمدى الذي يُهاجَم به العالم العربي بالعنف الاجتماعي والفقر والقمع السياسي. لا يربض الخطر فقط في تجاهل الأعراض السياسية والاقتصادية العنيفة للعولمة، ولكن أيضا في تجاهل محاولة الجيل الجديد التحدث بصوت جديد. هذا الصوت سوف يخلصهم من التأثيرات الخانقة لتلك الأعراض التي يمكن أن تقود بهذا الجيل إلى غضب وازدراء ويأس أبعد. تحولات العالم العربي التي جرت منذ نهاية عام 2010 تلقي الضوء على السياسي والاقتصادي الكامن في جيل الكتاب الملمين بالكنولوجيا والنشطاء. كتاباتهم بالتالي تحتاج أن تُقرأ بإلحاح أعظم بالعلاقة مع التحولات الاجتماعية والسياسية. هذا لا يعني أن يتقلص النص إلى مجرد انعكاس للمشهد الاقتصادي والسياسي العربي، ولكن بالأحرى أن يضع التحولات الاستطيقية داخل السياقات الاجتماعية-السياسية الملائمة، ويتعرف على التمييز الذي يتشوش بشكل متزايد بين الكتابة والتدوين، والسرد والفعل السياسي. في مصر بشكل خاص، يعيد الكُتَّاب الجدد – الذين يقومون بمهام عدة كمدونين ورسامين للكارتون، نشطاء وصحفيين  التشكيل المنتظم للعلاقة بين الأدبي والسياسي، "الأدب الوطني" و"السرد العالمي".

يستخدم ديفيد دامروش في عمله مساحات جديدة للإنتاج الأدبي في اللقاء بين المحلي والعالمي. متحركا فيما وراء الإطارات القديمة التي كانت تلقي التعليمات كثيرا وفي بعض الأحيان تَحكُم الاستقبال النقدي الأدبي للأدبيات الصغيرة، يناقش دامروش أن الإنتاج الأدبي يحتاج إلى أن يُفحَص في التفاعل بين القوى الثقافية والأيدولوجية، بين مواضع الإنتاج الأدبي وموضع تداول الأدب[43]. بينما يقرأ دامروش "الأدب العالمي؛ ليس كمرجعية للنصوص ولكن كحال تداول وقراءة"، وفيما وراء الحدود هذه النصوص الثقافية والوطنية، من الضروري أن نفهم في الوقت نفسه هذه الأعمال على ضوء كل من سياقيها الاجتماعي والسياسي، ونسق اللغة والكتابة التي من خلالها تُعَبِّر الكتابة عن المخيلة والخيال والهوية[44]. أهمية الأطر التي قدمها دامروش وآخرين تكمن في حقيقة أن الكتابة لم تعد مرتبطة بكُتَّاب محرومين من السلطة. بينما يسيطر العايدي ورفاقه الكتاب ويخترقون نظام النشر، لا يمكن أن تُقرأ كتاباتهم على أنها "أدب الضحية" الذي أنتجه المقموع والمُستعمَر وساكني الضواحي في صياغة باديو. هذا لا يعني أن الواقع الاجتماعي والسياسي قد انمحى، ولكن بالأحرى أن الكتابة هي مشهد يقدم إمكانية التفاوض والحركة الديناميكية والتغيير.
 
القراءة التي تعترف بقدرة جيل جديد على صنع تموجات وإطلاق أصوات لبلوغ صوته هي قراءة سياسية فعلا. اختراق العايدي، في هذا السياق، يسهم في المشروع الأدبي الذي يستدعي كتاب جدد للقيام بـ "التهرب" الصعب من أسلافهم. من نقد جيل الـ "نكسة" وعدم الثقة في الحركة الأيدولوجية العربية من الخمسينيات من القرن الماضي الذي أظهر إمكانيات سياسية جديدة. اختراق نظام الكتابة خلال أشكال الاختراق يمكن أن يُناقَش كموضوع استطيقي أو كعَرَض لفجاجة الثقافة. سيسقط هذا على أي حال كفريسة للنماذج النخبوية الذي يتمرد عليها هذا الجيل في المقام الأول. تعدد صناعة النشر خلال بنى سردية جديدة ومدونات سينتهي بشكل أو بآخر إلى تدعيم الكتاب الشباب الذين سيسهمون في التغيير الاجتماعي والاقتصادي.
 
التأكيد على قراءة الأنواع الجديدة التي تربط الأفلام بالأدب العربي، والرواية بالمدونة، واللغة العربية بالإنجليزية، تُخَلخِل المقاربات السياسية والتاريخية السائدة للأدب العربي التي نوقشت في الفصل الأول. بحث نقدي عن الكتابة الجديدة يجعل من الملح إعادة تشكيل مفاهيم تجربة الحداثة العربية، التي قمت بها في هذا الكتاب، وتساعد في استجواب ملائمة الأدب العربي في النقاشات الثقافية عن الكولونيالية والتقليد والعلمانية،إن ذكرنا القليل من الموضوعات. قراءة مواضع التجسيد الأدبي كـ "أحداث" بوضع النهضة إلى جانب السرد المعاصر يواجه تشييء "الأدب العربي" كنمط سوسيولوجي وتاريخي منفصل يمكن للمرء من خلاله قياس الحقيقة عن الإسلام والعرب. استخدام هذه النقاشات يلقي الضوء عن تلك الآثار النقدية لهذه الدراسة بالطريقة التي نفهم وننشر بها الكتابة العربية في العصر الافتراضي.
 
يعيد العايدي صياغة نقد الشدياق للحضارة في الوضع المعاصر؛ عارضا فسادها ومبتكرا أحوال جديدة للاختراق والتدمير تكشف صلاحيتها المتآكلة. خلال تكاثر الأصوات والانفعالات، التكرارات والتعطيلات، يحدد نص العايدي الانهيار الأيدولوجي للدولة وفي سرديته الكبرى للاستمرارية التاريخية والثقافية. ممارسات النهضة النقدية التي حددتها في الفصل الثاني والثالث تستمر في التكشف  مع هذا الجيل من الكتاب الجدد. هذه الممارسات تكشف فشل وفساد النسق الاجتماعي والسياسي، وتكشف العنف المستخدم لحجبه. مثله مثل الشدياق؛ اختراق العايدي يُعرَض خلال لعبة باللغة وأحوال التجسد. تدمير البنى الاجتماعية والسياسية ونماذج الصلاحية التي تتشكل خلال تهجير deterritorialization اللغة وبشكل خاص لغة المثقف في خدمة المؤسسة السياسية. يُفرِّغ العايدي اللغة خلال التكرار وخلط الأنواع، والانفعالات. هذا التهجير كما ناقشته في فصل الشدياق، يفتح إمكانية جديدة لتخيل الاجتماعي والسياسي، ويُوَلِّد في هذه العملية أشكالا جديدة من الممارسات الأدبية تثار عند تقاطع الافتراضي والمادي، الإنترنت وميدان التحرير، الرواية والمدونة. الربيع العربي، الذي صممه وعرضه جيل العايدي، يرتبط الآن بالنهضة الجديدة. هذا الارتباط يحتاج إلى البحث والتنظير ليس فقط كتكرار أو تواصل مع مشروع ثقافي محدد من القرن التاسع عشر، ولكن بالأحرى كتبن لممارسات أدبية وسياسية وتقنيات يظهر منها المعنى والذاتية. تتكشف مِحَن الحداثة العربية في نص العايدي خلال التصدعات والانقطاع واللعب والتفاوض؛ تلك التي تستجوب بشكل نظامي مسائل الخطِّية والاستعارة والسببية. فهم السياسي في هذه المرحلة التاريخية يتطلب بحثا في مسار الانهيار هذا والتناقضات المؤسسة للنماذج الاجتماعية والثقافية.
  

 
First Epigraph: quoted in Ursula Lindsay and Aisha Labi, “Hundreds of American Students Lie Low in Egypt, as Protests Continue,” Chronicle of Higher Education, January 30, 2011, Http://chronicle.com/article/Hundreds-of-Students/126159/.
Second epigraph: Interview by Al-Jazeera Arabic TV, February 6, 2011.
Third Epigraph: Interview by BBc Arabic Radio, February 6, 2011.
 
 
[i]  في رواية "الآخرون" (2006) على سبيل المثال، استخدمت صبا الحرز (اسم الكاتبة المستعار) بنية الكاتب المجهول من "ألف ليلة وليلة" وعرضت الجسد كموضع للكتابة، نص متشعب hypertext ممتليء بالخطر وعدم التوقع. وبالنسبة لرجاء الصانع، زعمت في بعض اللقاءات أنها تلقت تهديدات بالقتل. في "بنات الرياض" (2005)، استبدلت الصانع الافتراضي بالرواية، متخيلة أصلها في التكنولوجيا في سلسلة من الرسائل المنسوخة التي ترسل مرة أسبوعيا. في إحدى نقاط الرواية، تزعم الساردة – التي تدعى رجاء أيضا – أن الحكومة السعودية تهدد بإيقاف خدمة الإنترنت بسبب رسائلها الإلكترونية ذات الطبيعة الفضائحية.
[2]  Marie-Therese Abdel-Messih, “Hyper Texts: Avant-Gardism in Contemporary Egyptian Narratives,” Neohelicon 36.2 (2009): 515-23,515.
[3] I want to Get Married, Trans. Nora Eltahawy (Austin: Center for Middle Eastern Studies at University of Texas, 2010).
[4] Claudia Roth Pierpont, “Found in Translation: The Contemporary Arabic Novel ,” New Yorker, January 18, 2010, 74-80.
[5]Samuel Shimon, ed., Beirut 39: New Writing from the Arab World (New York: Bloomsbury, 2010).
[6] عارض الكتب الأدبي بجريدة "الحياة" حازم أبيض" وبـ "الأخبار" محمد خير
[7] تأسست في 2010 عن طريق "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، ينتج وصلة كليا المدونون Wasla.anhri.net
[8] See Marilyn Booth, “Translator v. Author (2007): Girls of Riyadh Go to New York,” Translation Studies 1.2 (2008): 197-2011; and Moneera Al-Ghadeer. “Girls of Riadh: A New Technology Writing or Chick Lit Defiance,” Journal of Arabic Literature 37.2 (2006): 296-302; ولعدد مخصص للكتابة الجديدة بمصر, see Banipal 25 (2006).
 [9]لصياغة نظرية هامة لقراءة تلك النصوص فيما وراء ما بعد الحداثي، see Stephen Guth, “Individuality Lost, Fun Gained: Some Recurrent Motifs in Late Twentieth-Century Arabic and Turkish Novels,” Journal of Arabic an Islamic Studies 7 (2007): 25-49. وانظر أيضا، لبحث تاريخي واجتماعي للديناميات الثقافية والأدبية في مصر من الستينيات من القرن الماضي إلى الآن Richard Jacquemond, Conscience of the Nation: Writers, State, ans Society in Modern Egypt, Trans. David Tresilian (Cairo: American University of Cairo Press, 2008).
[10] Fabio Caiani, Contemporary Arab Fiction: Innovation from Rama to Yalu (New York: Routlege, 2007). See also Arabic Literature: Postmodern Perspectives, ed. Angelika Neuwrith, Andreas Pflitsch, and Barbara Winckler (London: Saqi, 2010).
[11] Stefan Meyer, The Experimental Arabic Novel, 17.
[12] صنع الله إبراهيم، تلك الرائحة وقصص أخرى (المنيا، مصر، دار الهدى، 2003)
[13] السابق
[14] استقبال عمل إبراهيم يمكن فهمه في سياق سقوط (الأدباء) في الستينات من القرن الماضي، يناقش يواف دي كابوا هذه العملية في "الخبرة العربية بالوجودية"؛ A talk presented at the Middle Eastern Studies Luncheon Seminar, University of Texas at Austin, October 13, 2009.
[15] http://arabblogandpoliticalcommunication.blogspot.com/2005/11/blog-post_25.html
[16] Abdel-Messih, “Hyper Texts,” 521.
[17] حازم أبيض، عرض لـ "أن تكون عباس العبد"، الحياة، 25 ديسمبر، 2003،www.arabworldbooks.com/ArabicLiterature/review20.htm
[18] أن تكون عباس العبد، أحمد العايدي، دار ميريت، صـ 39
[19] السابق
[20] السابق، 41-42
[21] لقراءة نقاش عن انهيار الٍرة كأيقونة وطينة في الأدب العربي الحديث أنظر: Samia Mehrez, Egypt’s Culture Wars: Politics and Practice (New York: Routlege, 2008), 123-43
[22] Said, introduction, xxv.
[23]  العايدي، أن تكون عباس، صـ 54
[24] Said, introduction, xxviii-xxxix
[25]  العايدي، أن تكون عباس، صـ 65، 66
[26] Linda Hutcheon, “The Politics of Postmodernism: Parody and History,” Cultural Critique 5 (1986-87): 179-207, 206.
[27]  العايدي، عباس العبد، صـ 59
[28] Benedict Anderson, Imagined Community: Reflections on the Origin and Spread of Nationalism. (London: Verso, 1983).
[29] Alain Badiou, “We Need a Popular Discipline: Contemporary Politics and the Crisis of the Negative” interview by Filippo Del Luachese and Jason Smith, Critical Inquiry 34.4 (2008): 645-59.
[30] Ibid, 652.
[31]Ibid, 659.
[32] Sabry Hafez, “The New Egyptian Novel: Urban Transformation and Narrative Form” New Left Review 64 (2010): 47-62, 62.
[33] Andre Raymond, Cairo, trans, Willard Wood (Cambridge, Mass:Harvard University press, 2000); أبو زيد راجح؛ "الإنسان والمكان: القاهرة نموذجا". مصر: نظرة نحو المستقبل. مراجعة شكري محمد عياد (القاهرة، دار أصدقاء الكتاب، 1999) 11-33.
[34] Mehrez, Egypt’s Culture, 143.
[35]   “Hack” الذي أترجمها أيضا بـ "تنسيف" (نسف؛ أن يدمر؛ تنسيف؛ عملية بطيئة ومنظمة للهجوم وخلخلة والتدخل في وتنويع اتساق شيء ما). هذه الترجمة أثيرت في حوار مع بروفيسور مايكل كوبرسون (جامعة كاليفورنيا، لوس آنجلس).
[36]  العايدي، عباس العبد، صـ 96. هناك تلاعب بالمعنى بين كلمتي "هاك" "وناك" في هذه الجملة.
[37] See www.merriam-websters.com/netidct/hack
  [38] من ضمن الشركاء: تشاك بولانيك، صنع الله إبراهيم، وكتاب آخرين من جيل العايدي.
[39] Muhsin al-Musawi, “Engaging Globalization in Modern Arabic Literature: Appropriation and Resistance” Modern Language Quarterly 68.2 (2007): 305-29. لمزيد من النقاش حول الأدب العربي الحديث والرواية ما بعد الكولونيالين بشكل خاص أنظر، Al-Musawi, The Postcolonial Arabic Novel.
[40] Al-Musawi, “Engaging Globalization” 322
[41] Ibid, 319
[42]Ibid, 329
[43] David Damrosch, “Comparative Literature?” PMLA 118.2 (2003): 326-30
[44]David Damrosch, What is World Literature? (Princeton, N.J: Princton University, 2003), 5.