الظلمة في قصة "عربي" لجيمس جويس
مقال لكريس باور
عن الجارديان في ديسمبر 2012
ترجمة: أمير زكي

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.

 
في هذه القصة القصيرة، هناك رحلة ليلية لشاب صغير إلى سوق منعزل تحدد نهاية طفولة هانئة.
قصة جيمس جويس القصيرة "عربي" تظهر لنا "دبلنيون" وهي تطأ مستنقع المراهقة، جويس يضيء بشكل خافت هذه الأرضية النفسية، ويحيطها من كل جوانبها بظلمة كئيبة. عندما تبدأ القصة، يكون صيف الطفولة قد مر، ونهارات الشتاء القصيرة قد قدمت: "فضاء المساء فوقنا كان باللون البنفسجي المتحرك، وتجاهه تنتصب أعمدة الإنارة في الشارع رافعة المصابيح الخافتة".
 
يعيش الصبي مع عمه وعمته في شارع ذو اتجاه واحد– شارع "سد" يوحي به جويس عن جهل ساذج بالعالم الأوسع – وهو واقع في حب أخت صديقه مانجان. كونه مراهقا، ويتعلم على يد الأخوية المسيحية، جعل مشاعر انجذاب الصبي مرتبكة ومضطربة ومؤلمة:
 
"كثيرا ما كانت عيناي تمتلئان بالدموع (لم أعرف لماذا)... لم أعرف إن كنت سأكلمها أم لا، وإن كلمتها، كيف يمكنني إخبارها بإعجابي المضطرب. ولكن جسدي كان مثل القيثارة وكلماتها وإيماءاتها كانت مثل الأصابع التي تجري على الأوتار".
 
عندما لاحظت أخت مانجان الصبي أخيرا، كانت تلمع من وسط الظلام المحيط، "الضوء الصادر من المصباح المواجه للباب انعكس على انحناءة رقبتها البيضاء، أضاء شعرها الساقط الملقى هناك، وأضاء اليد المتكئة على الدرابزين". تقول إنها لا تستطيع أن تذهب لسوق "عربي" ويعدها الصبي إنه لو فعل سيحضر لها شيئا من هناك. يسأل عمه إنه كان يستطيع أن يذهب السبت القادم. في هذا اليوم سيعود العم متأخرا، وسيكون ذلك بعد التاسعة حين يرحل الصبي ليعبر المدينة المظلمة. اختياره لوقت غير مناسب للأطفال ملحوظ، فالرحلة ستقود الصبي من الطفولة نحو الرشد. تلك التي يصفها جويس كانتقال من الأمل الممتد إلى الإحباط الممتد.
 
كنت في السادسة عشر عندما قرأت "عربي" لأول مرة، وفي خريف هذا اليوم دخلت، في هذا الوقت، في أسوأ مشكلة صادفتها. الشرطة اتصلت بأبواي، وأبواي بغضب تبعوني وأمروني بالعودة للبيت. كنت في قطار قشاش وبعيد جدا، وبعد امتداد هذه الرحلة غير المنتهية والقلقة، أقبل الليل. من ساعتها أفكر دوما في ذلك عندما أقرأ عن الصبي الذي يرحل إلى "عربي" في "قطار منعزل" "يسير وسط البيوت المهدومة، وعلى النهر المتلأليء. كل من الرحلتين انتقلتا من الطفولة الهانئة إلى فضاء أكثر خطورة، كما يشرح هيو كينار: نحو "ذل فارغ ذو أصداء". بمصطلحات رمزية، كل من الرحلتين لم يكن سيساعدهما كثيرا ضوء النهار.
 
عندما وصل الصبي إلى مقصده، كانت معظم المحلات مغلقة. "المساحة الأعظم من الساحة كانت مظلمة، كنت ألاحظ ظلمة مثل تلك تسود الكنيسة بعد الخدمة". هنا في الأرضية المظلمة للسوق الرث، قصة جويس أصبحت ترتيلة. شاهد الصبي فتاة شابة يغازلها رجلان، وهذا المناخ الجنسي لتبادلهم المغازلات أربكه. عندما توجهت لتسأله عن طلبه ممتعضة أخبرها أنه لا يريد شيئا. وبينما يغادر السوق، خالي الوفاض وإن امتلك معرفة جديدة ومريرة، سمع صوتا "يصيح من أحد أركان المعرض بأن الضوء سينطفيء، الجزء الأعلى من الساحة مظلم تماما الآن".
 
نحن نحضر مرور طفولة السارد؛ إنها الضوء الذي يتقلص من حوله. يخبرنا: محدقا في الظلمة، رأيت نفسي كمخلوق تم اقتياده والهزء منه بواسطة التوافه، اشتعلت عيني بالألم والغضب". هنا تنتهي القصة، ونجد أنفسنا نلقى إلى بدايتها، التي تحمل لنا حضور الموت في "الحدائق المظلمة المنداة، حيث ترتفع الروائح من جوامع الرماد".
 
في المساء، انتقل السارد من كونه صبيا بريئا يلعب في الضوء الأخير للطفولة، إلى شاب متألم استوعب ان النضج ليس إدراك وعد الطفولة، ولكن فقدانه. هذا تعميد نمطي عند جويس، واحدة من تلك اللحظات الصغيرة الحاسمة التي لا تكون الحياة فيها هي ذاتها فيما بعد. إنه أمر يستخدم كثيرا كتأثير أدبي، وإن كنا ننسى كيف يمثل بالضبط  الطريقة التي نختبر بها التغيير، كما هو حقيقي بالنسبة لي في حالة هذه الليلة الخريفية من عشرين عاما. إلى مدى ما هذه هي نتيجة الطريقة التي نشكل بها ذكرياتنا، ننسقها أثناء استمرارنا في نفس الوقت الذي ننسى فيه كما مهولا من التفاصيل. بالضبط كسارد "عربي"، شاب يكبر ويتذكر ليلة واحدة يختلط فيها الازدراء واللطف، ما نعود لننظر إليه هو تسلسل هذه اللحظات الدالة، الخيط الرفيع الذي يتتبع طريقنا نحو الاتساع المُظًلًل.