مراجعة رواية كان صرحا من خيال لسليم نصيب

ترجمة: بسام حجار

عن دار العين 2010

مقال ﻷمير زكي

المقال خاص بـ Boring Books

يحتفظ الكاتب بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بمقاله دون إذن منه.

رواية تدور حول قصة الحب بين أحمد رامي وأم كلثوم، هي رواية ستثير الاهتمام بلا شك، بشكل خاص للمهتمين بتجربة الفنانين، وبشكل عام للمهتمين بالتجربة الفنية والثقافية في مصر كلها. قصة الحب بين الشاعر أحمد رامي والمغنية الأسطورية أم كلثوم ليست فريدة فقط لأنها دارت بين قامتين ثقافيتين مصريتين، ولكن لأن التعبير عن هذا الحب الذي تجلى في أغانيها التي كتبها لها يتردد يوميا في الشوارع والبيوت والمسارح المصرية من العشرينيات من القرن الماضي وحتى اليوم، بالإضافة إلى تردده في أذهان كل متحدثي العربية وعشاق أم كلثوم.
الربط بين الخاص والعام في قصة حب الشاعر والمطربة عبر عنه السارد في الرواية - وهو أحمد رامي - عندما غنت أمل كلثوم في الرواية أغنية "إن كنت أسامح" فتحمس لها الجمهور، فيسرد رامي: "لم أسمع من قبل تهليلا من قِبَل جمهور على هذا القدر من التلقائية. فقد أصاب نقطة تدفق الألم. وكان هذا فظيعا لأن هذا الألم كان ألمي أنا، وقد فَهِمَته بلمح البصر أو استعادته، حزني أنا، في مكان عام، ليلاقي مثل هذا الصدى الهائل. كل رجل في الصالة أصبح أنا، كل واحد منهم نهَل من النبع وتلوّى من حرقة حب لا يمكن سلوانه. بدا الأمر أكبر مني. فاستجابة الجمهور بلغت أقصى ما قد تبلغه أية استجابة، وأدركت أن الأمر يتخطى حلقة الغرام.. أو أن كل ما حولنا هو حلقة غرام، وضعنا، عصرنا، ومصر بأسرها".
جاذبية الرواية المعتمدة على قصة الحب - هذا الذي تكتشفه بداية من الغلاف الخلفي - يتم إحباطها قليلا بعنوان الرواية وهو تحديدا عنوان الطبعة العربية (وفقا للغلاف الخلفي فالرواية التي كتبت أصلا بالفرنسية بيد سليم نصيب اللبناني الأصل تحمل عنوان "أم" كتعبير عن أم كلثوم) أما النسخة العربية فحملت عنوان "كان صرحا من خيال" وكأن واضعي العنوان (سواء المترجم أو دار النشر) لم يجدوا من أشعار أحمد رامي لأم كلثوم (وقد كتب لها حوالي ثلث أغانيها ومنها الكثير بالفصحى) جملة مناسبة تعنون الكتاب وتكون أكثر تطابقا مع فكرته، حتى يختاروا جزءا من قصيدة الأطلال لإبراهيم ناجي.
أحمد رامي – في الرواية – الذي عاد إلى مصر من بعثته بفرنسا، حاملا معه ترجمة "رباعيات الخيام" من الفارسية بدا أشبه بمن دخل رحلة حب صوفية، بداية من اللحظة التي استمع فيها لكلماته: "الصب تفضحه عيونه" وأم كلثوم تغنيها بحديقة الأزبكية مرتدية الزي البدوي. تفاصيل قصة الحب تقدم ما يمكن أن نتوقعه من عاشق مثل رامي، حب ينوء بحمله الأكبر طرف واحد وإلهة تصعد على أكتاف هذا الطرف – مثلما تصعد على أكتاف آخرين – نحو تحقيق الأسطورة، ولكن رغم ذلك لم يقدم سرد شخصية أحمد رامي أي شيء يعني تنفير حقيقي من شخصية أم كلثوم.
شخصية رامي كانت واعية بأن شخصية أم كلثوم أشبه بإلهة خنثى، الروائي استخدم هنا ما يشاع عن مثلية أم كلثوم، ليقدم وجهة نظر في شخصيتها تضمنها قول رامي الآتي: "إذا كان لا بد لها أن تكون شيئا ما، أقول أنا، إنها خنثى، رجل وامرأة معا، لا جنس لها، لأنها من الجنسين. وإلى ذلك هي أم، لأن العبارة الأولى في اسمها: أم، أم الجميع، وأم بدون ولد. وقديسة أيضا لأنها تتحدر من سلالة النبي، وتحمل اسم واحدة من بناته. ومع ذلك هي امرأة أيضا، بالطبع امرأة ليست لأي من الرجال، بُرج من لحم مُرتعش لكنه لا يُمَس. كنت أدرك أنني أوقفت حياتي على استحالة حية، على إلاهة خنثى، على مسخ". 
هذه العلاقة قد تحتوي على لحظات تمرد، مثل رفضه طلبها بأن يتوقف عن الكتابة لمحمد عبد الوهاب، وعندما حدث خلاف بينهما بسبب قصيدة غنتها بعد أن عرضها على عبد الوهاب ورفضها، شعر بالحرية. ولكن العودة متكررة، وهذه العلاقة لن تجعل زواجه يحمل عاطفة أو أن يكون ناجحا بطريقة ما. 
جزء من جاذبية الرواية، وهو أمر لا بد من أن يكون مقصودا من قبل الكاتب هو توضيح السياقات السياسية والثقافية والاجتماعية التي تسير بداخلها علاقة الحب تلك، قد يضيف الكاتب تلميحات بسيطة عن هذه السياقات، أو يخصص العديد من الصفحات عنها مثل الصفحات التي خصصت لثورة يوليو وأزمة 1954 وانقلاب الثورة على الإخوان المسلمين، وما يتبع ذلك من مسارات.
حدث أكثر من مرة أن وجد خطأ تاريخي في الرواية، ولا أعرف إن كان الكاتب قصد هذا لتضفير أخطائه مع الدراما أم أنه أخطأ فعلا، فلأن أم كلثوم – في الرواية – تريد أغنية أكثر بهجة يكتب لها أحمد رامي أغنية "الخلاعة والدلاعة مذهبي" وهي أصلا أغنية "يونس القاضي". في موضع آخر يكتب نصيب أن أغنية "وحقك أنت المنى والطلب" لإيمان الشبراوي، وقد عدلها المترجم ونسبها لعبد الله الشبراوي. 
أحمد رامي مستغرق في قصة الحب بحيث تتحول كل الموضوعات الأخرى التي يلامسها إلى موضوعات شبحية بالنسبة لهمه الأساسي؛ عمله، زواجه، آراءه الموسيقية في مدى نجاح التجديد الذي يحدث في الموسيقى الشرقية، ميله غير المعلن لطرف محمد نجيب في أزمة مارس، امتعاضه مما أدت له ثورة 1952 من انغلاق ورحيل للأجانب حتى لو كان هذا فقط لأنه سيؤثر على حياته الشخصية، لأنه سيفقد خياطه وطبيب أسنانه، وصاحبة المطعم الذي يتردد عليه، وكلهم من الأجانب.
أشارت الرواية إلى ما تردد عن اتهام أم كلثوم ومجموعة شعراءها وملحنيها بالهزيمة التي تعرضت لها مصر وتبلورت مع حرب 1967، هذا الاتهام الذي يطال فيما يطال أحمد رامي، رامي كاتب أغاني الذل الأساسي لأم كلثوم. 
مع نهاية الرواية نكتشف أن ما تسرده شخصية أحمد رامي هي كتابة موجهة لحفيده طارق الذي يظهر مع الفصول الأخيرة للرواية. 
ترجمة بسام حجر كانت موفقة في المجمل، وإن افتقدت بعض الجمل السلاسة أو الإحكام، هوامش قليلة أضافها المترجم لتصحيح خطأ او للإشارة لمعلومة تاريخية. 
شخصية أحمد رامي - وطبيعة علاقته بأم كلثوم - هي شخصية وسمت جيلا بأكمله، جيلا يتصف غالبا بصفات حب هذا الشاعر، لذلك فاستخدام الشخصية ثقافيا للشهادة على عصره هو عمل ذكي، أدى لرواية جذابة لم تحتاج سوى لربط الأحداث واستخراج دلالاتها بمهارة.