Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA

 من بداية المقال الثاني ("الذنب"، "الضمير المتعب"، وما شاكلهما")، يتحدث نيتشه عن وجهة نظره عن النسيان الذي هو – بالنسبة له – قوة فاعلة. النسيان الذي يتيح لنا تجاوز "جلبة العالم السفلي من الأعضاء التي تعمل في خدمتنا". "فلا سعادة البتة ولا صفاء ولا أمل ولا إباء ولا استمتاع باللحظة الآنية بدون وجود ملكة النسيان". فالذي لا ينسى "لا يمكنه تصفية أى قضية". 
ولكن الإنسان ذو الصحة القوية والذى ينسى كتجل لصحته خلق لنفسه ملكة جديدة وهى ملكة التذكر، وكان مبرر تلك الملكة بالنسبة له هو حفظ العهود التى يقطعها على نفسه. هذه الذكرى التى تجعل الإرادة صلبة حتى تحقيق الفعل. هذا الشخص الذى يعد والقادر على تحقيق الوعد (يقول نيتشه في كتاب "هكذا تكلم زرادشت": "أحب هذا الذى يلقى الكلمات الذهبية أمام أفعاله، ويفعل دوما أكثر مما يعد".) يجد فى امتلاكه لإرادته الواسعة تلك معياره القيمى، يحتقر ويجل من خلالها، وبالطبع هو يحترم أكثر القادرين على الوعد مثله. هؤلاء الذين يعدون يقدرهم نيتشه لأنهم قادرين ولديهم القوة على الوفاء بالوعد رغم كل الظروف، وعلى حساب "القدر نفسه". هذه القدرة والقوة على الوفاء بالوعد تصبح بالنسبة للفرد- السيد غريزة سيطرة، وهذه تكون "الضمير" بالنسبة له.
وفكرة العقاب ترتبط بضرورة التذكير، وأيضا بفكر "الدَيْن"، فالذى يدين للآخر بشىء يحاول تذكير نفسه بأنه قد يلقى أذى دموى لو لم يحققه. والعقاب أيضا يرتبط أيضا بإحدى متع الإنسان البدائية وهى رؤية الآخر يتألم. العقاب وهو أصل الذنب يتعلق بالشخص المدين الذى لا يستطيع الوفاء بدينه، فيخرج من لعبة العلاقات السامية بين الرفاق، يُحرم من الانتماء للجماعة، ويحرم نفسه من منافعها.
ومع ذلك يرى نيتشه أن أى شيء له جذور تاريخية لا يمكن تحديده بدقة، فالذى يتم تحديده هو بالضرورة خارج التاريخ، وربما نتساءل هل هناك حقا ما هو خارج التاريخ؟. بالتالي فهو لا يرى مفهوم مثل مفهوم العقاب يمكن الوصول لمغزى "تاريخى" وحيد له. فقد يكون العقاب وسيلة لمنع التمادي في إلحاق الضرر، أو للترهيب، أو لتصفية عنصر منحط، أو للاحتفال بهزيمة العدو، أو غير ذلك. السرد للاستعمالات المتنوعة للعقاب هو نفى لوجود صفة جوهرية وأساسية له، غالبا ما تتلخص فى إنه يوقظ الشعور بالإثم عند المخطئ.
نيتشه يدلل على تهافت ذلك بكون المسجونين مثلا لا يشعرون بوخز ضمير حقيقى أثناء عقابهم، فالعقاب بالأحرى "يخمد الحيوية ويحجّر القلب". ولكن نيتشه يصل إلى أن العقاب قد يروض الإنسان ولكنه لا يجعله إنسانا أفضل. ولكن عامة يرى نيتشه أن الطابع المفزع والدموى للعقاب ليس مصدرا للمتشائمين ليتزايد "احتقارهم" للبشرية، لأن هذا الطابع كان مصدر بهجة بالنسبة للإنسان القديم.
تطور الإنسان نحو العقل والمجتمع جعله يفقد غرائزه الطبيعية التى اعتاد عليها، ليجد نفسه فى أرض جديدة لا يستطيع الإنسان فيها سوى الاعتماد على وعيه الذى هو أضعف عضو من أعضاء الإنسان فى رأى نيتشه، لينشأ هذا القلق الذى يتصف به عصره. الوعى أو المجتمع الجديد الذى لا يستطيع الإنسان فيه تفريغ غرائزه، يجعله يفرغها بشكل تلقائى إلى الداخل، لتنشأ "النفس" وليتعمق العالم الداخلى عند الإنسان. وينشأ تحقير الذات غير القادرة على التفريغ وينشأ أيضا "الضمير المتعب".
"الدَيْن" أيضا من الممكن أن يعتبر أساسا لـ "الديِن" من حيث أهمية أن توفى الأجيال الجديدة حق تضحيات الأجيال السابقة، فكانت تقام شعائر تبجيل هذه الأجيال. مع الوقت يتعمق تبجيل الجد الأول ربما إلى حد صياغته كإله.
الدَيْن تجاه الأجداد يصل لمرحلة من العمق تجعل المدين يشعر تماما بأنه غير قادر على الوفاء به، بالتالى يصل لمرحلة من الشعور بالذنب تؤدى إلى أنه لا يستطيع التكفير عنه. ويأتى علاج مؤقت مثل المسيحية التى يقوم فيها الإله "المسيح" بتسديد الدَيْن عن البشرية.
يقارن نيتشه بين النموذج السابق لصنع الآلهة وبين نموذج أنبل للآلهة وهم آلهة اليونان، وهم ظلال للبشر النبلاء، هؤلاء أيضا الذى يحال لهم الخطأ حين يخطئ الإنسان، فالآلهة يخطئون أيضا، وهم يبررون للإنسان أخطاؤه.
يرى نيتشه أن هذه التغيرات التى أدت إلى كراهية الإنسان لنفسه والإساءة لنفسه هى رد فعل لعدم قدرته على الإساءة للغير (الطبيعية). ولكن مهمة التطلع إلى مثل أعلى للإنسان، كبديل للإنسان الذى يصف وضعه الحالى، لا يتركها نيتشه إلى هذا المقال بقدر ما يتركها لزرادشت الكافر، حين تجد في الجزئين الأخيرين من المقال نصائح لضرورة وجود ذهنيات الحرب والنصر، واستنشاق الهواء الطلق فى الأعالى وغيرها من الأوصاف التى كانت مطروحة فى كتاب "هكذا تكلم زرادشت".