حوار جابرييل دوباريد* مع بيكيت، بمجلة نوفيل ليتيرير، 16 فبراير 1961

ترجمة أمير زكى
سبتمبر 2010

عن ترجمة كريستوفر ووترز للإنجليزية
من كتاب التراث النقدى المتعلق ببيكيت Samuel Beckett: The Critical Heritage
***
انتظرت مؤلف مسرحية (فى انتظار جودو) بمكتبه الذى خصصه له ناشره بباريس، وكنت أتساءل إن كان سيحضر حقا، فهو حتى اليوم يرفض إجراء حوارات صحفية، ربما بسبب الخجل والانطواء أو لأن هذا جزء من نظامه.

وكاتبنا، المعروف غالبا بنفوره، فى الخمسينيات من عمره الآن، وهو أيرلندى مثله مثل جيمس جويس، ويقال إن جويس كان يفضل بيكيت على العديد من مترجميه الآخرين. درّس بيكيت اللغة الإنجليزية بمدرسة المعلمين العليا بباريس، وبعد ذلك دّرس اللغة الفرنسية بكلية ترينيتى بدبلن. ونشر فى لندن عدة دواوين شعرية ودراسة عن بروست، أما روايته مورفى فقبل أن تنشر ألقيت قنبلة ألمانية على لندن لتدمر النسخة كلها.

فى عام 1938 جاء بيكيت إلى فرنسا ليقيم فيها، ومن ساعتها بدأ يكتب بالفرنسية، كتب ثلاثيته (مولوى- مالون يموت- اللا مسمى) التى استقبلت بشكل إيجابى من النقاد الذين يميلون للأدب الصعب، ولكن حتى أكثر المتحمسين من هؤلاء أحبطوا من عمله الأخير (كيف هذا؟)، فى حين تعتبر مسرحيته (فى انتظار جودو) هى أكثر أعماله قابلية للفهم، رغم أن شيئا لا يحدث فيها، وهى عرضت عشرات المرات بمسرح دى بابيلون ولاقت نجاحا كبيرا فى أنحاء أوروبا، وفى ألمانيا بشكل خاص.

ولكن يظل السؤال: هل سيحضر هذا الشخص المربك؟ نعم.. فها هو قد حضر.

إن قدما مولوى مشلولتان، ويعانى مالون من سكرات الموت، واللا مسمى شخص طريح شيء أشبه بالكفن، ولكن الشخص الذى بث الحياة فى هذه المسوخ يبدو وسيما وبصحة جيدة، طويل، أشقر الشعر، وذو سمرة خفيفة، ملامحه متناسقة ونبيلة، ينظر إليك من وراء نظارة سميكة، وأحيانا يلوى شفتيه بطريقة ساخرة وماكرة.

كان قد وصل للتو من قرية بمقاطعة سين دو مارن** حيث اشترى بيتا صغيرا هناك، والفضل للميراث الضئيل الذى حصل عليه.

وكنت أعرف أنه لا يحتمل مهازل الحياة الأدبية الرسمية، لذلك أخبرته كم أحسده لأنه قادر على العمل بعيدا وفى هدوء، فأكد على كلامى قائلا:

"أنت على حق، فالريف مكان ملائم للكتابة."

"إذن فقد كتبت الكثير مؤخرا؟"

"لا شىء.. اشتغلت بالحديقة وببعض الأعمال الصغيرة.. لم أكتب."

"هل هذه هى الحقيقة؟"

"فقط بعض المقاطع الصغيرة، قصص قصيرة نوعا ما." ثم نظر شاردا نحو الباب.

ولألطف الجو أخبرته أننى فى الماضى كنت على معرفة محدودة بأبناء أستاذه جيمس جويس، عندما كانوا يعيشون بالقرب من شان دى مارس***.

فسألنى بشكل ودى: "إذن فأنت كنت تعرف جورج والمسكينة الصغيرة لوشيا؟"

"لم هى مسكينة؟" فأوما بطريقة غير مفهومة.

"جويس كان يعتبرك واحدا من أفضل مترجميه، فهل يمكن أن نقول أيضا إنك تلميذه؟ أعنى مونولوجاتك الداخلية الطويلة.."

"أوه.. أنت تعرف. فقط ما ترجمته بشكل شخصى، أقصد ما ترجمته كله بنفسى كان آنا ليفيا بلورابيل****. ولكن هنا فى باريس قمت بعدة ترجمات – بدون وضع اسمى – لأكسب عيشى. بعد إذنك.."

جلس بيكيت على مكتبه وبدأ فى توقيع كتب له، إذن فهو يهدى كتبه مثل المؤلفين الآخرين. اتكأت على حافة المكتب وقلت:

"قراءة رواياتك عملية صعبة، فهل كتابتها عملية صعبة كذلك؟"

"نعم.. نعم، ولكنها نتاج لحماس متدفق وشديد."

"حماس؟"

"مالون نتجت عن مولوى، واللا مسمى نتجت عن مالون، ولكن بعد ذلك ولفترة طويلة لم أكن متأكدا إن كان لدىّ شىء متبق لأقوله، فأغلقت على نفسى محاولة منى للكتابة، فكتبت بعض النصوص القصيرة، أو القصص القصيرة لو أحببت تسميتها كذلك وهى (نصوص من أجل لا شىء)."

"هل للفلاسفة المعاصرين أى تأثير على أفكارك؟"

"أنا لا أقرأ الفلاسفة؟"

"ولم لا؟"

"أنا لا أفهم أى شىء مما يقولونه."

"ولكن مع ذلك فالناس يعتقدون أن مشكلة الوجود عند الفلاسفة الوجوديين من الممكن أن تكون مدخلا لفهم أعمالك."

"لا توجد هناك مشكلة ولا يوجد مدخل، لن يكون هناك أى مبرر لكتابة رواياتى لو كنت أستطيع أن أعبر عن مضمونها بمصطلحات فلسفية."

"ما المبرر إذن؟"

"ليس لدىّ أدنى فكرة. أنا لست عقلانيا، كل ما لدىّ هو المشاعر، مولوى والكتابات الأخرى جاءوا إلى ذهنى عندما أصبحت واعيا بحمقى، عندها فقط بدأت أكتب عما أشعر به."


*  كاتب وصحفى فرنسى
**  مقاطعة بشمال فرنسا
***  حديقة كبيرة بباريس
****  جزء من رواية جويس الأخيرة (يقظة فينيجان)